للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي قَول قوم إِبْرَاهِيم: {نعْبد أصناما فنظل لَهَا عاكفين} فِي جَوَاب: مَا تَعْبدُونَ فَعلم من هَذَا أَن مُطَابقَة الْجَواب للسؤال إِنَّمَا هُوَ الْكَشْف عَن السُّؤَال لبَيَان حكمه، وَقد حصل مَعَ الزِّيَادَة، وَلَا نسلم وجوب الْمُطَابقَة بِمَعْنى الْمُسَاوَاة فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص، وَقد تكون الزِّيَادَة على الْجَواب للتحريض، كَقَوْلِه تَعَالَى: {قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ لمن المقربين} وَقد يَجِيء أنقص لاقْتِضَاء الْحَال ذَلِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل مَا يكون لي أَن أبدله} فِي جَوَاب {ائْتِ بقرآن غير هَذَا أَو بدله} وَإِنَّمَا طوى ذكر الاختراع للتّنْبِيه على أَنه سُؤال محَال، والتبديل فِي إِمْكَان الْبشر

وَقد يعدل عَن الْجَواب أصلا إِذا كَانَ قصد السَّائِل التعنت نَحْو قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي}

وَقيل: الأَصْل فِي الْجَواب أَن يُعَاد فِيهِ نفس السُّؤَال ليَكُون وَفقه نَحْو: {أئنك لأَنْت يُوسُف قَالَ أَنا يُوسُف} وَكَذَا: {أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا} هَذَا أَصله، ثمَّ إِنَّهُم أَتَوا عوض ذَلِك بِحرف الْجَواب اختصاراً وتركا للتكرار، وَالسُّؤَال معاد فِي الْجَواب، فَلَو قَالَ: (امْرَأَة زيد طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله إِن دخل هَذَا الدَّار) فَقَالَ زيد: نعم، كَانَ حَالفا، لِأَن الْجَواب يتَضَمَّن إِعَادَة مَا فِي السُّؤَال

[قَالَ الله تَعَالَى: {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم} أَي: وجدنَا وعد رَبنَا حَقًا، وَمَوْضِع الْخلاف بَينهمَا وَبَين الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيمَا إِذا كَانَ الْجَواب زَائِدا على قدر السُّؤَال زِيَادَة غير مُحْتَاج إِلَيْهَا، فعندنا يصير مبتدئا، وَهَذَا معنى قَول الْفُقَهَاء: " الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَبِيَّة "، وَلَو لم يكن مبتدئا يلْزم إِلْغَاء الزِّيَادَة، وَكَلَام الْعَاقِل يصان عَن الإلغاء، وَعند الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقع الْجَواب عَادَة مَعَ الزِّيَادَة كَمَا فِي قصَّة سيدنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي قصَّة سيدنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيْضا {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول} إِلَى آخِره، فَقُلْنَا: سلمنَا أَن الزِّيَادَة على الْجَواب جَائِزَة لغَرَض وَرَاء الْجَواب، لَكِن لَا يكون ذَلِك من الْجَواب]

وَمن عَادَة الْقُرْآن أَن السُّؤَال (إِذا كَانَ وَاقعا يُقَال فِي الْجَواب: (قل) بِلَا فَاء مثل: {ويسألونك عَن الرّوح} ، {ويسألونك عَن السَّاعَة} ، {ويسألونك عَن الْمَحِيض} ونظائرها، فصيغة الْمُضَارع للاستحضار بِخِلَاف: {ويسألونك عَن الْجبَال} فان الصِّيغَة فِيهَا للاستقبال، لِأَنَّهُ سُؤال علم الله تَعَالَى وُقُوعه وَأخْبر عَنهُ قبله، وَلذَلِك أَتَى بِالْفَاءِ الفصيحة فِي

<<  <   >  >>