للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمعَانِي يطلقون الْعلَّة على مَا يُوجد شَيْئا، وَالسَّبَب على مَا يبْعَث الْفَاعِل على الْفِعْل

والحكماء يَقُولُونَ للْأولِ الْعلَّة الفاعلية، وَللثَّانِي الْعلَّة الغائية

وَالسَّبَب يستعار للمسبب دون الْعَكْس، لاستغناء السَّبَب عَن الْمُسَبّب، وافتقار الْمُسَبّب إِلَى السَّبَب إِلَّا إِذا كَانَ الْمُسَبّب مُخْتَصًّا بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} استعير اسْم الْمُسَبّب فِيهَا وَهُوَ الْخمر للسبب وَهُوَ الْعِنَب، لاخْتِصَاص الْخمر بالعنب، وَهَذَا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مُخْتَصًّا يصير فِي معنى الْمَعْلُول مَعَ الْعلَّة من حَيْثُ إِنَّه لم يحصل إِلَّا بِهِ، والمعلول يستعار لِلْعِلَّةِ وَبِالْعَكْسِ

وَقد يكنى بِالسَّبَبِ عَن الْفِعْل الَّذِي يحصل السَّبَب على سَبِيل الْمجَاز، وَإِن لم يكن الْفِعْل الْمُسْتَفَاد على صُورَة الْفِعْل الْمُسْتَفَاد مِنْهُ، أَو عين الْفِعْل الْمُسْتَفَاد مِنْهُ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {غضب الله عَلَيْهِم} {فانتقمنا مِنْهُم} وَالْغَضَب عبارَة عَن نوع متغير فِي الغضبان يتَأَذَّى بِهِ، ونتيجته إهلاك المغضوب عَلَيْهِ، فَعبر عَن نتيجة الْغَضَب بِالْغَضَبِ، وَعَن نتيجة الانتقام بالانتقام

السرى، كالهدى: سير عَامَّة اللَّيْل، كَقَوْلِه: نشأنا على حرف بَرى متنها السرى [والصق مِنْهَا لابتيها القماحد]

وسرى، وَأسرى: بِمَعْنى؛ أَعنِي أَنَّهُمَا لَا زمَان، والهمزة لَيست للتعدية، وَلِهَذَا عدي بِالْبَاء، وهما بِمَعْنى سَار عَامَّة اللَّيْل

وَقيل: سرى لأوّل اللَّيْل، وَأسرى آخر اللَّيْل

وَسَار: مُخْتَصّ بِالنَّهَارِ

والتأويب: سير النَّهَار كُله

والإساد: سير النَّهَار وَاللَّيْل كُله، وَلم يَجِيء فِي الْقُرْآن (سرته) ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهِ (سرت فِيهِ) نَحْو: {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض}

وسرت بفلان، نَحْو: سَار بأَهْله وَسيرَته: على التكثير نَحْو: {وسيرت الْجبَال}

و (سرى) الْمُتَعَدِّي بِالْبَاء يفهم مِنْهُ شَيْئَانِ: أَحدهمَا: صُدُور الْفِعْل من فَاعله، وَالثَّانِي: مصاحبته لما دخلت فِيهِ الْبَاء فاذا قلت: سريت بزيد، أَو سَافَرت بِهِ كنت قد وجد مِنْك السّير وَالسّفر مصاحبا لزيد فِيهِ

وَأما الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إِيقَاع الْفِعْل بالمفعول فَقَط، فَإِذا قرن هَذَا الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ أَفَادَ إِيقَاع الْفِعْل على الْمَفْعُول مَعَ المصاحبة المفهومة من الْبَاء، وَلَو أُتِي فِيهِ بالثلاثي فهم مِنْهُ معنى الْمُشَاركَة فِي مصدره وَهُوَ مُمْتَنع، وأجازوا (سرت حَتَّى وَقت الْعشَاء) ، وَلم يجيزوا (سرت حَتَّى بَغْدَاد) لِأَن الْأَزْمِنَة تحدث على التَّرْتِيب والتدريج كَمَا هُوَ مُقْتَضى (حَتَّى) ، بِخِلَاف الْأَمْكِنَة فَإِنَّهَا أُمُور ثَابِتَة، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر}

وَيُقَال، من لدن الصُّبْح إِلَى أَن تَزُول الشَّمْس: سرنا اللَّيْلَة وَفِيمَا بعد الزَّوَال إِلَى آخر النَّهَار:

<<  <   >  >>