للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُبْحَانَ الله، بِمَعْنى التَّسْبِيح، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِيهِ تَنْزِيه الله نَفسه عَن السوء، وَالأَصَح أَنه اسْم مصدر، (لَا مصدر مَأْخُوذ من التَّسْبِيح وَهُوَ التَّنْزِيه) ، وَكَونه مصدرا لفعل غير مُسْتَعْمل ضَعِيف، لِأَن أَكثر المصادر يكون لَهُ فعل، وَلَا يكَاد يسْتَعْمل إِلَّا مُضَافا إِلَى مُفْرد ظَاهر أَو مُضْمر إِضَافَة الْمصدر إِلَى الْفَاعِل، وَقد يَنْقَطِع عَن الْإِضَافَة وَيمْتَنع عَن الصّرْف للزيادتين، وَحِينَئِذٍ يحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ علم التَّسْبِيح، إِذا الاعلام لَا تُضَاف وَقَول الْعَلامَة فِي " الْكَشَّاف " وَغَيره يدل على أَنه علم سَوَاء أضيف أم لَا، (وَأما نَحْو: (حَاتِم طيىء) فباعتبار اشتهاره بِوَصْف السخاوة)

قَالَ الْقُرْطُبِيّ: " سُبْحَانَ الله: مَوْضُوع مَوضِع الْمصدر لِأَنَّهُ لَا يجْرِي بِوُجُوه الْإِعْرَاب، وَلَا يدْخل فِيهِ الْألف وَاللَّام، وَلم يجر مِنْهُ فعل "

فِي " الإتقان ": مِمَّا أميت فعله

وَإِذا صدر بِهِ كَلَام فكثيرا مَا يقْصد بِهِ تَنْزِيه الْحق عَن منقصه ينبىء الْكَلَام عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره كنفي الْعلم فِي قَول الْمَلَائِكَة: {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا} ، وكنسبة الظُّلم فِي قَول يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} ، وكالمخلوقية فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا} وَفِي مَجِيء هَذَا بِلَفْظ الْمَاضِي والمضارع إِشْعَار بِأَن من شَأْن مَا اسْتندَ إِلَيْهِ تَعَالَى أَن يسبحه فِي جَمِيع أوقاته

وَأما مجىء الْمصدر مُطلقًا فَهُوَ أبلغ من حَيْثُ إِنَّه يشْعر بِإِطْلَاقِهِ على اسْتِحْقَاق التَّسْبِيح من كل شَيْء وَفِي كل حَال

(وانتصاب (سُبْحَانَهُ) بِفعل مُضْمر مَتْرُوك إِظْهَاره، وَالتَّقْدِير: (اسبح سُبْحَانَ الله) ثمَّ نزل منزلَة الْفِعْل أَو سد مسده، وَدلّ على التَّنْزِيه البليغ من جَمِيع مَا لَا يَلِيق بجنابه الأقدس وَقد استوعب النّظم الْجَلِيل جَمِيع جِهَات هَذِه الْكَلِمَة إعلاما بِأَن المكونات من لدن إخْرَاجهَا من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود إِلَى الْأَبَد مسبحة لذاته تَعَالَى قولا وفعلا، طَوْعًا وَكرها

وَقد يسْتَعْمل عِنْد التَّعَجُّب، فَتَارَة يقْصد بِهِ التَّنْزِيه البليغ أَصَالَة والتعجب تبعا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} وَتارَة يقْصد بِهِ التَّعَجُّب وَيجْعَل التَّنْزِيه ذَرِيعَة لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} إِذْ الْمَقْصُود التَّعَجُّب من عظم أَمر الْإِفْك وَفِي " الانوار " فِي قَوْله: {فسبح بِحَمْد رَبك} فتعجب ظَاهره أَن التَّسْبِيح مجَاز عَن التَّعَجُّب بعلاقة السبيبة، فَإِن من رأى أمرا عجيبا يَقُول: (سُبْحَانَ الله) ، وَلَا يخفى أَن التَّعَجُّب كَيْفيَّة غير اختيارية لَا يَصح الْأَمر بِهِ سَوَاء كَانَ تعجب متأمل أَو تعجب غافل، لَكِن تعجب المتأمل تكون مباديه

<<  <   >  >>