وَعَن أبي يُوسُف: إِن ذَلِك إِذا لم يكن التَّرْتِيب نَحْو (إِن كلمت إِن دخلت فَعَبْدي حر) و (إِن شربت إِن أكلت فَأَنت طَالِق) لِأَن الْكَلَام فِي الْعرف بعد الدُّخُول، وَالشرب بعد الْأكل
وَأما فِي صُورَة (إِن أكلت إِن شربت فَأَنت طَالِق) لَيْسَ فِيهَا مَا يصلح للجواب إِلَّا شَيْء وَاحِد، فَإِن جعل جَوَابا لَهما مَعًا يلْزم اجْتِمَاع عاملين على مَعْمُول وَاحِد وَهُوَ بَاطِل، وَإِن جعل جَوَابا مُبْهما يلْزم إتْيَان مَا لَا دخل لَهُ فِي الْكَلَام وَترك مَا لَهُ فِيهِ دخل، وَهُوَ عيب، وَإِن جعل جَوَابا للثَّانِي دون الأول يلْزم حِينَئِذٍ أَن يكون الثَّانِي وَجَوَابه جَوَابا للْأولِ، فَيجب الْإِتْيَان بِالْفَاءِ والرابطة مثل:(إِن شربت فَإِن أكلت) فَتعين أَن يكون جَوَابا للْأولِ دون الثَّانِي، وَيكون الأول وَجَوَابه دَلِيل جَوَاب الثَّانِي، فَالْأَصْل (إِن أكلت فَإِن شربت فَأَنت طَالِق) فَلَا تطلق حِينَئِذٍ حَتَّى تَأْكُل ثمَّ تشرب
وَلَيْسَ من هَذَا النَّوْع قَوْله تَعَالَى:{وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} إِذْ لم يذكر فِيهَا جَوَاب، وَإِنَّمَا تقدم على الشَّرْطَيْنِ مَا هُوَ جَوَاب فِي الْمَعْنى الأول، فَيَنْبَغِي أَن يقدر إِلَى جَانِبه وَيكون الأَصْل:(إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم لَا نفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم) لِأَن إِرَادَة الإغواء من الله مقدم على إِرَادَة نصحه، وَلِأَن النصح إِنَّمَا لَا ينفع بعد إِرَادَة الإغواء، وَهَذَا يُسمى فِي علم البلاغة الْقلب، وَهُوَ نوع مِنْهَا هَكَذَا عِنْد فقهائنا الْحَنَفِيَّة، وَأما عِنْد محققي طَائِفَة الشَّافِعِيَّة فَالْحكم فِيمَا إِذا قَالَ:(إِن شربت إِن أكلت فَأَنت طَالِق) أَنَّهَا لَا تطلق حَتَّى تَأْكُل ثمَّ تشرب، وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{وَلَا ينفعكم نصحي} الْآيَة،