للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مصدر يُرَاد بِهِ الْمُقدر تَارَة وَالتَّقْدِير أُخْرَى

فِي " الأساس " الْأُمُور تجْرِي بِقدر الله ومقداره وَتَقْدِيره وأقداره ومقاديره

وَالْقدر وَالتَّقْدِير كِلَاهُمَا تَبْيِين كمية الشَّيْء، فتقدير الله إِمَّا بالحكم مِنْهُ أَن يكون كَذَا أَو أَن لَا يكون كَذَا، إِمَّا على سَبِيل الْوُجُوب، وَإِمَّا على سَبِيل الْإِمْكَان وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {قد جعل الله لكل شَيْء قدرا}

وَأما بِإِعْطَاء الْقُدْرَة عَلَيْهِ، وَقَوله تَعَالَى: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} : أَي قَضَاء مبتوتا وَقَالَ بَعضهم: (قدرا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق بِهِ الْقَضَاء وَالْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: " فرغ رَبك من الْخلق والرزق "

و (مَقْدُورًا) إِشَارَة إِلَى مَا يحدث حَالا فحالا وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} يَعْنِي شؤونا يبديها لَا شؤونا يبتديها وَلَا يُنَافِي قَضِيَّة رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف، لِأَن الْجُود الإلهي لما كَانَ مقتضيا لتكميل الموجودات قدر بلطف حكمته زَمَانا يخرج تِلْكَ الْأُمُور من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل

قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ فِي قَوْله: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} الْقَضَاء مَا يكون مَقْصُودا فِي الأَصْل، وَالْقدر مَا يكون تَابعا فالخير كُله بِقَضَاء، وَمَا فِي الْعَالم من الضَّرَر فبقدر)

الْقُدْرَة: هِيَ التَّمَكُّن من إِيجَاد شَيْء وَقيل: صفة تَقْتَضِي التَّمَكُّن، وَهِي مبدأ الْأَفْعَال المستفادة على نِسْبَة مُتَسَاوِيَة، فَلَا يُمكن تَسَاوِي الطَّرفَيْنِ الَّذِي هُوَ شَرط تعلق الْقُدْرَة إِلَّا فِي الْمُمكن، لِأَن الْوَاجِب رَاجِح الْوُجُود، والممتنع رَاجِح الْعَدَم، أَعنِي أَنه إِن شَاءَ أَن يَفْعَله لَكِن الْمَشِيئَة ممتنعة، أَي لَيْسَ من شَأْن الْقَادِر تَعَالَى أَن يشاءه

[والفلاسفة يُنكرُونَ الْقُدْرَة بِمَعْنى صِحَة الإيجاد وَالتّرْك بِدَلِيل أَنهم فسروا حَيَاة الْبَارِي بِكَوْنِهِ بِحَيْثُ يَصح أَن يعلم وَيقدر لَا بِمَعْنى أَنه إِن شَاءَ فعل وَإِن لم يَشَأْ لم يفعل فَإِن الْقُدْرَة بِهَذَا الْمَعْنى مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْفَرِيقَيْنِ، وَالْقُدْرَة سَوَاء كَانَت عِلّة تَحْصِيل الْفِعْل كَمَا هُوَ اخْتِيَار صَاحب " التَّبْصِرَة " أَو شَرط تَحْصِيل الْفِعْل كَمَا هُوَ اخْتِيَار عَامَّة الْمَشَايِخ تتَعَلَّق بالمعدوم ليصير مَوْجُودا دون الْمَوْجُود لِاسْتِحَالَة إِيجَاد الْمَوْجُود؟ والمحال لَا يدْخل تَحت الْقُدْرَة فَلَا يجوز أَن يُوصف الله بِالْقُدْرَةِ على الظُّلم وَالْكذب، وَعند الْمُعْتَزلَة يقدر وَلَا يفعل، وَفِيه جمع بَين صِفَتي الظُّلم وَالْعدْل وَهُوَ محَال

وَالْوَاجِب مَا يَسْتَحِيل عَدمه] ،

وتعرف أَيْضا بِأَنَّهَا إِظْهَار الشَّيْء من غير سَبَب ظَاهر

وتستعمل تَارَة بِمَعْنى الصّفة الْقَدِيمَة، وَتارَة بِمَعْنى التَّقْدِير، وَلذَا قرئَ قَوْله تَعَالَى: {فقدرنا فَنعم القادرون} بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد

وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {قدرناها من الغابرين} فالقدرة بِالْمَعْنَى الأول لَا يُوصف بضدها، وبالمعنى الثَّانِي بِوَصْف بهَا وبضدها

<<  <   >  >>