للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لتولوا} فَإِن أول الْكَلَام يَقْتَضِي نفي الْخَيْر أَي: مَا علم مِنْهُم خيرا وَمَا أسمعهم، وَآخره يَقْتَضِي حُصُول الْخَيْر أَي: مَا أسمعهم وانهم مَا توَلّوا، وَعدم التولي خير من الْخيرَات وَكَذَا التَّنَاقُض فِي حَدِيث " نعم الرجل صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ " إِذْ الْمَعْنى حِينَئِذٍ أَنه خَافَ الله وَعَصَاهُ، وَذَلِكَ متناقض، فَثَبت أَن كلمة (لَو) تفِيد مُجَرّد الاستلزام، وَهَذَا دَلِيل حسن إِلَّا أَنه خلاف قَول الْجُمْهُور

وَأما عِنْد ابْن الْحَاجِب فبعكس مَا هُوَ عِنْد الْجُمْهُور، وَذَلِكَ أَن (لَو) مُشْتَرك مَعَ (أَن) فِي الشّرطِيَّة

وحرف الشَّرْط: كل حرف دخل على جملتين عليتين، فَجعل تحقق مَضْمُون الأولى سَببا لتحقيق مَضْمُون الثَّانِيَة وَالْفرق أَن (إِن) يُفِيد ارتباط الْجَزَاء بِالشّرطِ فِي الِاسْتِقْبَال وَإِن دخلت على الْمَاضِي و (لَو) يُفِيد ارتباطها بِهِ فِي الْمَاضِي على سَبِيل التَّقْدِير وَإِن دخلت على الْمُسْتَقْبل فَمَعْنَى (إِن أكرمتنى أكرمتك) تَعْلِيق تحقق مَضْمُون الثَّانِيَة فِي الْمَاضِي بتحقق مَضْمُون الأولى فِيهِ على سَبِيل التَّقْدِير، وكل وَاحِد من مضموني الجملتين منفي، فَمن ذهب إِلَى أَنَّهَا لانْتِفَاء الثَّانِي لانْتِفَاء الأول نظر إِلَى أَن تحقق مَضْمُون الأولى لما كَانَ سَببا لتحَقّق مَضْمُون الثَّانِيَة كَانَ انْتِفَاء مَضْمُون الأولى فِي الْخَارِج سَببا لانْتِفَاء مَضْمُون الثَّانِيَة فِيهِ ضَرُورَة أَن انْتِفَاء مَضْمُون الْعلَّة لانْتِفَاء الْمَعْلُول، فَإِذا قيل: (لَو جئتني لأكرمتك) كَانَ اللَّازِم انْتِفَاء الْإِكْرَام فِي الْخَارِج أَيْضا، وَإِن لم يكن الْعلم بِانْتِفَاء الأول سَببا للْعلم بِانْتِفَاء الثَّانِي بِنَاء على أَن الْعلم بِانْتِفَاء السَّبَب الْخَاص لَا يسْتَلْزم الْعلم بِانْتِفَاء الحكم مُطلقًا لجَوَاز أَن يتَحَقَّق بسب آخر وَمن ذهب إِلَى أَنَّهَا لانْتِفَاء الأول لانْتِفَاء الثَّانِي نظر إِلَى أَن الْعلم بِانْتِفَاء الثَّانِي يسْتَلْزم الْعلم بِانْتِفَاء الأول ضَرُورَة أَن الْعلم بِانْتِفَاء الْمُسَبّب يدل على انْتِفَاء الْأَسْبَاب كلهَا، فَإِن قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} إِنَّمَا سيق ليستدل بامتناع الْفساد على انْتِفَاء تعدد الْآلهَة دون الْعَكْس، إِذْ لَا يلْزم من انْتِفَاء التَّعَدُّد انْتِفَاء الْفساد، وَمَا ذكره ابْن الْحَاجِب هُوَ معنى يقْصد إِلَيْهِ فِي مقَام الِاسْتِدْلَال بِانْتِفَاء اللَّازِم الْمَعْلُوم على انْتِفَاء اللَّازِم الْمَجْهُول، وَالْمعْنَى الْمَشْهُور لَازم معنى (لَو) فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة لتعليق حُصُول أَمر فِي الْمَاضِي بِحُصُول أَمر آخر مُقَدّر فِيهِ، وَمَا كَانَ حُصُوله مُقَدرا فِي الْمَاضِي كَانَ منتفيا فِيهِ قطعا، فَيلْزم لأجل انتفائه انْتِفَاء مَا علق بِهِ أَيْضا، فَهَذَا الْمَعْنى بَيَان سَبَب أحد انتفاءين معلومين للْآخر بِحَسب الْوَاقِع، فَلَا يتَصَوَّر هُنَاكَ اسْتِدْلَال

وَلها اسْتِعْمَال ثَالِث وَهُوَ أَن يقْصد اسْتِمْرَار شَيْء فيربط ذَلِك الشَّيْء بأبعد النقيضين عَنهُ فَيلْزم وجوده أبدا، إِذْ النقيضان لَا يرتفعان، فَيلْزم اسْتِمْرَار وجود الْجَزَاء على تَقْدِير وجود الشَّرْط وَعَدَمه، فَيكون الْجَزَاء لَازم الْوُجُود فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة عِنْد الْمُتَكَلّم، سَوَاء كَانَ الشَّرْط وَالْجَزَاء مثبتين نَحْو: (لَو أهانني لأكرمته) فَإِنَّهُ إِذا استلزم الإهانة الْإِكْرَام فَكيف لَا يسْتَلْزم الْإِكْرَام الْإِكْرَام

أَو منفيين نَحْو: " لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ "

<<  <   >  >>