للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِكَسْرِهَا، فَكل ملك مَلَائِكَة وَلَيْسَ كل مَلَائِكَة ملكا؛ بل الْملك هم الْمشَار إِلَيْهِم بقوله تَعَالَى: {فالمدبرات} ، {فَالْمُقَسِّمَات} وَنَحْو ذَلِك وَمِنْه ملك الْمَوْت

(وملكوت الشَّيْء عِنْد الصُّوفِيَّة حَقِيقَة الْمُجَرَّدَة اللطيفة، غير الْمقيدَة بقيود كثيفة شجية جسمانية

ويقابله الْملك بِمَعْنى الْمَادَّة الكثيفة بالقيود)

وَالْمَلَائِكَة جمع (ملأك) على أَصله الَّذِي هُوَ (لأك) بِالْهَمْزَةِ، وَالتَّاء لتأكيد ثأنيث الْجَمَاعَة (أَو الْمُبَالغَة) هَكَذَا كَلَام السّلف وليت شعري مَا وَجه قَوْله تَعَالَى {قَالُوا لَا علم لنا} {} (وَإِذ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم) {} (فنادته الْمَلَائِكَة} وَاخْتلف فِي حقيقتهم بعد الِاتِّفَاق على أَنهم ذَوَات مَوْجُودَة قَائِمَة بِأَنْفسِهِم، فَأكْثر الْمُتَكَلِّمين على أَنهم أجسام لَطِيفَة قادرة على التشكل بصور مُخْتَلفَة، كَمَا أَن الرُّسُل كَانُوا يرونهم كَذَلِك [إِمَّا بانضمام الْأَجْزَاء وتكاتفها دون إفناء الزَّائِد من خلقه وإعادته، وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك على مَا يَشَاء الله تَعَالَى]

(وَالْمَلَائِكَة عباد الله الْعَامِلُونَ بِأَمْر الله إِلَّا هاروت وماروت، كَمَا أَن الشَّيَاطِين أَعدَاء الله المخالفون لأمر الله إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم قرين النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أسلم وَهُوَ هَامة بن هميم بن لاقيس بن إِبْلِيس اللعين)

وَذهب الْحُكَمَاء إِلَى أَنهم جَوَاهِر مُجَرّدَة مُخَالفَة للنفوس الناطقة فِي الْحَقِيقَة

[وَالْحق أَنهم جَوَاهِر بسيطة معقولة مبرأة من الْحُلُول فِي الْموَاد، وَهِي مَعَ ذَلِك إِمَّا غير مُتَعَلقَة بعلائق الْمَادَّة كالعقول، وَإِمَّا مُتَعَلقَة بعلائق الْمَادَّة كالنفوس، وَلَهُم نطق عَقْلِي غير نَام يحْتَمل خلقهمْ توليدا كَمَا جَازَ إبداعا، غير محجوبين عَن تجلي الْأَنْوَار القدسية لَهُم وَلَا ممنوعين من الالتذاذ بهَا فِي وَقت من الْأَوْقَات وَلَا فِي حَالَة من الْحَالَات بنوم وَلَا غَفلَة وَلَا شَهْوَة، بل هم فِي التذاذ ونعيم بِمَا يشاهدونه ويطالعونه من الْعَالم الْقُدسِي والنور الرباني أبدا دَائِما سرمدا وطاعتهم طبع وعصيانهم تكلّف خلاف الْبشر فَإِن طاعتهم تكلّف ومتابعة الْهوى مِنْهُم طبع

قيل: الْمَلَائِكَة مكلفون بالتكليفات الكونية لَا الشَّرْعِيَّة الَّتِي بعث بهَا الرُّسُل وَلَيْسَ كَذَلِك، كَيفَ وَقد دلّت الْآثَار على أَنهم مكلفون بشرعنا فيؤذنون أذاننا وَيصلونَ صَلَاتنَا وملائكة اللَّيْل وَالنَّهَار يشْهدُونَ صَلَاة الْفجْر وَيصلونَ فِي جماعتنا ويحضرون مَعَ الْأمة فِي قتال الْعَدو لنصرة الدّين وَهَذِه خصيصة مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا مُخْتَصَّة بالبدر، وَقد أَعْطَيْت لَهُم قِرَاءَة سُورَة الْفَاتِحَة من الْقُرْآن لَا غير، ومطالعة اللَّوْح الْمَحْفُوظ مِمَّا لَا تحقق لَهُ وَاخْتلف فِي الْفضل بَين الْأَنْبِيَاء

<<  <   >  >>