النَّفْي (وَقد لَا يتَوَجَّه وَيكون هُنَاكَ قيد الْإِثْبَات أَو النَّفْي فَيعْتَبر فِيهِ أَولا الْإِثْبَات أَو النَّفْي ثمَّ الْقَيْد) وَقد يَجْعَل الْقَيْد مُتَأَخِّرًا على كل حَال من جِهَة الْمَعْنى، كَمَا أَنه مُتَأَخّر من جِهَة اللَّفْظ فَيُقَال: الْقَيْد إِمَّا للنَّفْي أَو للمنفي وَكَذَا الْإِثْبَات
وَنفي الْمُقَيد من حَيْثُ أَنه مُقَيّد لَا يلْزم أَن يكون بِانْتِفَاء نفس الْقَيْد، بل اللَّازِم مُجَرّد انْتِفَاء الْقَيْد سَوَاء كَانَ انتفاؤه بِانْتِفَاء مَجْمُوع الْقَيْد والمقيد أَو بِانْتِفَاء نفس الْقَيْد فَقَط، كَمَا قيل من أَن نفي الْمُقَيد يرجع إِلَى انْتِفَاء قَيده
والقيد الْوَارِد بعد النَّهْي قد يكون قيدا للْفِعْل مثل: (لَا تصل إِذا كنت مُحدثا)
وَقد يكون قيدا لتَركه مثل: (لَا تبالغ فِي الِاخْتِصَار إِن حاولت سهولة الْفَهم
وَقد يكون قيدا لطلبه نَحْو: (لَا تشرب الْخمر إِن كنت مُؤمنا)
وَفِي " أنوار التَّنْزِيل ": " النَّهْي عَن الْمُقَيد بِحَال أَو غَيرهَا قد يتَوَجَّه بِالذَّاتِ نَحْو الْفِعْل تَارَة والقيد أُخْرَى وَقد يتَوَجَّه نَحْو الْمَجْمُوع، وَكَذَلِكَ النَّفْي " انْتهى
والنافي إِن كَانَ صَادِقا يُسمى كَلَامه نفيا، وَلَا يُسمى جحدا مِثَاله: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم} وَإِن كَانَ كَاذِبًا يُسمى جحدا ونفيا أَيْضا مِثَاله: {فَلَمَّا جَاءَتْهُم آيَاتنَا مبصرة قَالُوا هَذَا سحر مُبين وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم}
والجحد إِذا كَانَ فِي أول الْكَلَام يكون حَقِيقِيًّا نَحْو: (مَا زيد بقائم) وَإِذا كَانَ فِي أول الْكَلَام جحدان كَانَ أَحدهمَا زَائِدا وَعَلِيهِ: {فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} فِي أحد الْأَقْوَال وَإِذا أُتِي بَين الْكَلَام بجحدين يكون الْكَلَام إِخْبَارًا نَحْو: {وَمَا جعلناهم جسدا لَا يَأْكُلُون الطَّعَام}
وَنفي ذَات الشَّيْء يسْتَلْزم نفي الْحَال بِلَا عكس لَكِن فِي صُورَة نفي جَمِيع الْأَحْوَال
وَنفي الذَّات الموصوفة قد يكون نفيا للصفة دون الذَّات نَحْو: {وَمَا جعلناهم جسدا لَا يَأْكُلُون الطَّعَام} أَي: بل هم جَسَد يَأْكُلُون الطَّعَام
وَقد يكون نفيا للذات أَيْضا نَحْو: {مَا للظالمين من حميم وَلَا شَفِيع يطاع}
قَالَ بَعضهم: النَّفْي إِذا دخل على الذَّات يتَوَجَّه إِلَى نفي الصِّفَات مُطلقًا لِأَن الذَّات لَا تنفى أصلا بِخِلَاف مَا إِذا دخل على الْفِعْل فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مُتَوَجها إِلَى نِسْبَة الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل فَقَط، وَنفي الْمُبَالغَة فِي الْفِعْل لَا يسْتَلْزم نفي أصل الْفِعْل
وَقَوله تَعَالَى: {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} إِنَّمَا جِيءَ بِهِ فِي مُقَابلَة العبيد لِأَنَّهُ جمع كَثْرَة أَو على النّسَب أَي بِذِي ظلم، أَو بِمَعْنى فَاعل لَا كَثْرَة فِيهِ، أَو لِأَن أقل الْقَلِيل لَو ورد من الرب الْجَلِيل كَانَ كثيرا كَمَا يُقَال: زلَّة الْعَالم كَبِيرَة
وَنفي الْعَام يدل على نفي الْخَاص، (وثبوته لَا يدل على ثُبُوته، وَثُبُوت الْخَاص يدل على ثُبُوت الْعَام، ونفيه لَا يدل على نَفْيه، وَنفي الْعَام أحسن من نفي