وَالسَّلَام]
وَاعْلَم أَن النّسخ إِنَّمَا يجْرِي فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي لَهَا جَوَاز أَن لَا تكون مَشْرُوعَة دون الْأَحْكَام الْعَقْلِيَّة، كوجوب الْإِيمَان، وَحُرْمَة الْكفْر، وَمَا يُمكن مَعْرفَته بِمُجَرَّد الْعقل من غير دَلِيل السّمع
وَكَذَلِكَ مَا بَقِي من الْأَحْكَام بعد وَفَاة رَسُول الله لِأَن الانتساخ بِالْوَحْي، وَقد انْقَطع بعده
وَاخْتلفُوا فِي الحكم الَّذِي قرن بِهِ لفظ الْأَبَد؛ فَمن قَالَ: يحْتَمل النّسخ، مُرَاده أَن النَّاسِخ مَتى ورد ظهر أَنه أُرِيد بِلَفْظ الْأَبَد بعض مَا يتَنَاوَلهُ الْأَبَد فَأَما إِذا كَانَ الْأَبَد مرَادا عِنْد الله تَعَالَى فَلَا يجوز نسخه بِالْإِجْمَاع لكَونه بداء وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْإِخْبَار إِذا كَانَ فِي غير الْأَحْكَام كدخول الْمُؤمنِينَ الْجنَّة والكافرين النَّار، وأمثال ذَلِك قَالَ عَامَّة أهل الْأُصُول: لَا يحْتَمل النّسخ لما فِيهِ من الْخلف فِي الْخَبَر وَقيل فِي الْوَعْد كَذَلِك وَأما فِي الْوَعيد فَيجوز النّسخ، لِأَن الْخلف فِي الْوَعيد من بَاب الْكَرم، وَجَاز نسخ الْخَبَر الَّذِي يتَضَمَّن حكما لَا الْخَبَر الْمَحْض عَن الْمَاضِي وَنسخ آيَة النَّجْوَى هُوَ نسخ على الْحَقِيقَة وَنسخ التَّوَجُّه إِلَى بَيت الْمُقَدّس بِالْكَعْبَةِ، وَصَوْم عَاشُورَاء برمضان هُوَ النّسخ تجوزا وَأما كل أَمر ورد فَيجب امتثاله فِي وَقت مَا لعِلَّة تَقْتَضِي ذَلِك الحكم، ثمَّ تنْتَقل بانتقال تِلْكَ الْعلَّة إِلَى حكم آخر، فَهَذَا فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ نسخا، بل هُوَ من قبيل المنسى كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {أَو ننسها} وَإِنَّمَا النّسخ الْإِزَالَة للْحكم حَتَّى لَا يجوز امتثاله [ثمَّ النّسخ بِمَعْنى الرّفْع والإزالة على وُجُوه: أَحدهَا أَن يثبت الْخط وينسخ الحكم مثل آيَة الْوَصِيَّة للأقارب، وَآيَة عدَّة الْوَفَاة، وَآيَة التَّخْفِيف فِي الْقِتَال، وَآيَة الممتحنة وَنَحْوهَا
وَمِنْهَا أَن ترفع تلاوتها وَيبقى حكمهَا مثل آيَة الرَّجْم
وَمِنْهَا: أَن ترفع أصلا كَمَا قيل إِن سُورَة الْأَحْزَاب كَانَت مثل سُورَة الْبَقَرَة فَرفع أَكْثَرهَا تِلَاوَة وَحكما
فآية الْوَصِيَّة نسخت بِالْمِيرَاثِ، وعدة الْوَفَاة نسخت من الْحول إِلَى أَرْبَعَة أشهر وَعشر ومصابرة الْوَاحِد الْعشْرَة فِي الْقِتَال نسخت بمصابرة الِاثْنَيْنِ، وَآيَة امتحان النِّسَاء مِمَّا يرفع وَلَا يُقَام غَيره مقَامه]
والتخالف فِي جزئيات الْأَحْكَام بِسَبَب تفَاوت الْأَعْصَار فِي الْمصَالح من حَيْثُ إِن كل وَاحِد مِنْهَا حق بِالْإِضَافَة إِلَى زمانها مراعى فِيهِ صَلَاح من خُوطِبَ بهَا وَذَلِكَ انتساخ الشَّرِيعَة لَا انتساخ النُّبُوَّة وَالْأول لَا يسْتَلْزم الثَّانِي
والتغير والتفاوت من عوارض الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بِالْمَعْنَى الْقَائِم بِالذَّاتِ الْقَدِيم، فَلَا احتجاج بهما على حُدُوث الْقُرْآن [والنسخ لَا يجوز إِلَّا بِالْكتاب وَالسّنة، وَيجوز نسخ الْكتاب بِالْكتاب وَالسّنة بِالسنةِ إِذا كَانَت الثَّانِيَة مثل الأولى أَو فَوْقهَا فِي الْقُوَّة بِلَا خلاف بَين الْعلمَاء، وَيجوز نسخ السّنة بِالْكتاب وَنسخ الْكتاب بِالسنةِ المتواترة عندنَا وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور، وَيجوز نسخ الْكتاب وَالسّنة المتواترة بِخَبَر الْوَاحِد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute