[وَقيل: هِيَ الْعلم السَّابِق بِالْعَمَلِ اللَّاحِق] .
وَالنِّيَّة فِي التروك لَا يتَقرَّب بهَا إِلَّا إِذا صَار كفا. وَهُوَ فعل، وَهُوَ الْمُكَلف بِهِ فِي النَّهْي، لَا التّرْك بِمَعْنى الْعَدَم لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلا تَحت الْقُدْرَة للْعَبد.
وَنِيَّة الْعِبَادَة: هِيَ التذلل والخضوع على أبلغ الْوُجُوه.
وَنِيَّة الطَّاعَة: هِيَ فعل مَا أَرَادَ الله تَعَالَى مِنْهُ.
وَنِيَّة الْقرْبَة: هِيَ طلب الثَّوَاب بالمشقة فِي فعلهَا أَو يَنْوِي أَنه يَفْعَلهَا مصلحَة لَهُ فِي دينه بِأَن يكون أقرب إِلَى مَا وَجب عقلا من الْفِعْل وَأَدَاء الْأَمَانَة، وَأبْعد عَمَّا حرم عَلَيْهِ من الظُّلم وكفران النِّعْمَة.
وَالنِّيَّة للتمييز فَلَا تصح إِلَّا فِي ملفوظ مُحْتَمل كعامّ يحْتَمل الْخُصُوص، أَو مُجمل، أَو مُشْتَرك يحْتَمل وُجُوهًا من المُرَاد ليُفِيد فائدتها.
وَالنِّيَّة فِي الْأَقْوَال لَا تعْمل إِلَّا فِي الملفوظ. وَلِهَذَا لَو نوى الطَّلَاق أَو الْعتاق وَلم يتَلَفَّظ بِهِ لَا يَقع، وَلَو تلفظ بِهِ وَلم يقْصد وَقع، لِأَن الْأَلْفَاظ فِي الشَّرْع تنوب مناب الْمعَانِي الْمَوْضُوعَة هِيَ لَهَا. (وَالنِّيَّة مَعَ اللَّفْظ أفضل) .
النَّهْي، لُغَة: الزّجر عَن الشَّيْء بِالْفِعْلِ أَو بالْقَوْل ك (اجْتنب) ، وَشرعا (لَا تفعل) استعلاء. وَعند النَّحْوِيين صِيغَة (لَا تفعل) حثاً كَانَ على الشَّيْء أَو زجرا عَنهُ.
وَفِي نظر أهل الْبُرْهَان يَقْتَضِي الزّجر عَن الشَّيْء سَوَاء كَانَ بِصِيغَة (افْعَل) أَو (لَا تفعل) لِأَن نظر أهل الْبُرْهَان إِلَى جَانب الْمَعْنى، وَنظر النَّحْوِيين إِلَى جَانب اللَّفْظ.
وَاخْتلف فِي أَن الْمَقْصُود بِالنَّهْي هَل هُوَ عدم الْفِعْل
أم لَا، فَذهب جمَاعَة من الْمُتَكَلِّمين إِلَى الأول، فَإِن عدم الْفِعْل مَقْدُور للْعَبد بِاعْتِبَار استمراره إِذْ لَهُ أَن يفعل فيزول اسْتِمْرَار عَدمه، وَله أَن لَا يفعل فيستمر عَدمه. وَذهب جمَاعَة أُخْرَى إِلَى الثَّانِي لِأَن عَدمه مُسْتَمر فِي الْأَزَل إِلَى الْأَبَد، فَلَا يكون مَقْدُورًا للْعَبد عَبَثا، بل الْمَطْلُوب بِهِ هُوَ كف النَّفس عَن الْفِعْل.
وَالنَّهْي يَقْتَضِي المشروعية دون النَّفْي، فَإِن الْمنْهِي عَنهُ يجب أَن يكون مُتَصَوّر الْوُجُود شرعا، وَمَا لَيْسَ بمشروع لَا يتَصَوَّر وجودا شرعا.
[وَاعْلَم أَن مُقْتَضى النَّهْي قبح الْمنْهِي عَنهُ كَمَا أَن مُقْتَضى الْأَمر حسن الْمَأْمُور بِهِ، لِأَن الْحَكِيم لَا يُنْهِي عَن شَيْء إِلَّا لقبحه، كَمَا أَنه لَا يَأْمر بِشَيْء إِلَّا لحسنه، فالمنهي عَنهُ فِي صفة الْقبْح يَنْقَسِم انقسام الْمَأْمُور بِهِ إِلَى الْحسن لعَينه وَإِلَى الْحسن لغيره، كَذَلِك يَنْقَسِم الْمنْهِي عَنهُ إِلَى الْقَبِيح لعَينه وَأَنه نَوْعَانِ: وَصفا أَي عقلا وَشرعا وَإِلَى الْقَبِيح لغيره، وَأَنه نَوْعَانِ أَيْضا وَصفا ومجازاً تَحْقِيقا للمقابلة، فَمَا قبح لِمَعْنى فِي عينه وَصفا كالكفر وَالْكذب وَالظُّلم واللواط، وَمَا قبح لعَينه شرعا لعدم الْمَحَلِّيَّة أَو الْأَهْلِيَّة كَبيع الْحر وَالْمَاء فِي أصلاب الْآبَاء وأرحام الْأُمَّهَات. وَمَا قبح لغيره يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: أَحدهمَا مَا جاوره الْمَعْنى الْمُوجب للقبح بطرِيق الِاجْتِمَاع بِحَيْثُ يتَصَوَّر انفكاكه فِي الْجُمْلَة لَا أَن يكون دَاخِلا فِي حَقِيقَته وَلَا وَصفا لَازِما كَوَطْء الرجل زَوجته حَالَة الْحيض وكالبيع وَقت النداء، وكالصلاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة إِذْ فِي كل ذَلِك يتَصَوَّر الانفكاك عَن الْمنْهِي عَنهُ. وَالثَّانِي مَا اتَّصل