للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "من غشَّ فليس مني"، قال الطحاوي - بعد أن ذكر جملة من الأحاديث التي فيها أن من فعل كذا فليس منا، ومنها هذا الحديث - قال: "فكانت هذه الأشياء التي نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت منه أو كانت فيه عنه أشياء مذمومة، فكان الله عز وجل قد اختار له صلى الله عليه وسلم الأمور المحمودة، ونفى عنه الأمور المذمومة، فكان من عمل الأمور المحمودة منه، ومن عمل الأمور المذمومة ليس منه، كما حكى الله عز وجل عن نبيه إبراهيم من قوله في ذريته {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ١، وكما قال عز وجل مخبراً لعباده قصة داود صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّية} ٢ في أمثالٍ لهذا موجودة في الكتاب معناه المعنى الذي ذكرنا، فدلّ أن كل عاملٍ عملاً على شريعة نبيه الذي عليه اتباعه فإنه منه، وأنّ كل عاملٍ عملاً تمنعه منه شريعة نبيه الذي عليه أتباعه ليس منه لخروجه عن ما دعاه إليه وعن ما هو عليه إلى ضدِّ ذلك"٣ انتهى.

وقال الخطابي: "معناه: ليس على سيرتنا ومذهبنا. يريد أن من غشَّ أخاه وترك مناصحته، فإنه قد ترك اتباعي والتمسك بسنتي. وقد ذهب بعضهم إلى أنه أراد بذلك نفيه عن دين الإسلام، وليس هذا التأويل بصحيح، وإنما وجهه ما ذكرت لك، وهذا كما يقول الرجل لصاحبه: (أنا منك وإليك) ، يريد


١ سورة إبراهيم، آية (٣٦) .
٢ سورة البقرة، آية (٢٤٩) .
٣ شرح مشكل الآثار (٣/٣٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>