كانت تعمل لمصلحتها الخاصة؛ مما أضعف سلطان الملوك وتراخت قبضتهم عن الأقاليم؛ فحظي أمراؤها بشيء من الاستقلال والسيادة وإن لم يتعد نفوذهم عواصم أقاليمهم إلا قليلًا.
والخلاصة التي يمكن أن نستنتجها هي أن البلاد كانت سائرة في طريقها إلى الانحلال, وأن تنازع السلطات بلغ من الخطورة حدًّا جعل الملوك لا يأمنون على عروشهم؛ فهناك ما يشير إلى أن "أسركون الثاني" قبل أن يعتلي العرش كان مشتركًا في الحكم مع والده الذي اتخذ هذه الخطوة لكي يضمن لولده ولاية العهد، وقد اتبع "أسركون الثاني" نفس هذه السياسة مع ولده "شيشنق الثاني" الذي مات في حياته, فأشرك معه ابنه الآخر "تكلوت الثاني" الذي استمر معه في الحكم سبعة أعوام ثم انفرد بالعرش بعد وفاته.
وأخذت هذه بعد ذلك تنحدر نحو الاضمحلال حتى إن ابن تكلوت الثاني -وكان يدعى أسركون- قد جرؤ في السنة الحادية عشرة من حكم والده على تقديم بعض الهدايا إلى معبد آمون باسمه الخاص مع أنه لم يكن إلا رئيسًا للكهنة، وبالرغم من تقديمه لتلك الهدايا فإن رئاسته للكهنة كانت في أغلب الظن غير مقبولة؛ إذ إن أهالي طيبة قاموا بثورة ضده فاضطر إلى الهرب، وبعد نحو عشرة أعوام عاد إلى طيبة بمعاونة بعض أعوان والده، ويبدو أنه استلهم وحي الإله آمون حينئذٍ فأصدر هذا عفوه عن الثائرين؛ ولكن ذلك العفو كان مؤقتًا في نظر أهل طيبة على الأقل؛ لأنهم أعادوا الثورة فاضطر أسركون للهرب ثانية بعد نحو ستة أعوام من عودته، وظل مختفيًا في هذه المرة نحو ثلاثة عشر عامًا، وفي كل مرة كان يختفي فيها تولى رئاسة الكهنوت في مكانه أحد أفراد الأسرة ويدعى "حرسا إيسي".