الفعل إلى عاملها وفي الثاني إلى مستعملها، وقال في صفة نبال: كستها ريشها مضرحية، فنسب كسوتها إلى الطائر الذي أخذ ريشه فجعل لها: وقيل يداك أوكتا وفوك نفخ، فنسب الفعل إلى الآلة المتصلة.
ويقال سيف قاطع فنسب إلى الآلة المنفصلة. وقيل ضرب قاطع وطعن جائف فنسب إلى الحدث. وسر كاتم وعيشة راضية، فنسب إلى المفعول. وقال تعالى: حرمًا آمنا. فنسب إلى المكان. وقيل يوم صائم وليل ساهر، وما ليل المطي بنائم، فنسب إلى الزمان.. ولما كانت أفعالنا على ذلك صح في الفعل الواحد أن ينسب إلى أحد الأسباب مرة وينفي عنه مرة بنظرين مختلفين. وقال:
أعطيت من لم تعطه ولو انقضى ... حسن اللقاء حرمت من لم تحرم
فأثبت له الفعل ونفاه عنه بنظرين مختلفين.. وهذا فصل من تأمله لم يعتمد في تثبيت المعاني على مثلها من الألفاظ فينظر من اللفظ إلى المعنى، بل ينظر في مثل هذا من المعنى إلى اللفظ. ومن أجل هذا قال قوم من المحصلين لا فاعل في الحقيقة لأي شيء من الأفعال إلا الله تعالى فإن فعله يستغني عن الزمان والمكان والمادة، ومن عداه من الفاعلين فإن له من كل ذلك وبعضه، ولهذا لا يصح أن ينسب الإبداع إلى غيره تعالى لا حقيقة ولا مجازًا ويصح أن ينسب فعل الله تعالى إلى كل ما تقدم ذكره "١٨٠-١٨٢ الذريعة إلى مكارم الشريعة".
وبهذا نرى أن الراغب ينفي المجاز العقلي كافة، ولكن في نظري أنه إنما ينظر إلى المعاني كما قال في آخر كلمته، ويوجه الألفاظ في دلالتها إلى ما تقتضيه المعاني، ولا ينظر إلى النظم والأسلوب وكيفية أدائه للمعنى من حقيقة أو مجاز، فهو عن هذا في واد بعيد، وشغل شاغل.