١- كان الجاحظ أستاذ الثقافة الإسلامية في الصنف الأول من القرن الثالث، وكان مجده الأدبي الذائع يعصف بمجد كل أديب، ويدوي في كل أفق، ويرن صداه في سمع كل كاتب وشاعر وخطيب.
وعاش الناس في عصره وبعد عصره عيالًا عليه في البلاغة والفصاحة واللسن والعارضة كما يقول ابن العميد، وعدوا التلمذة عليه شرفًا لا يعدله شرف ومجدًا يدنيهم من بلاط الملوك وتعصب له كثير من رجالات الثقافة الإسلامية في شتى عصورها، فألفوا الكتب في الإشادة به -كما فعل أبو حيان التوحيدي في كتابه تقريظ الجاحظ-، وبالغوا في الإشادة به والثناء عليه حتى حسد ثابت بن قرة الأمة العربية عليه، وحتى كان الخلفاء يهشون عند ذكره ونهج كبار الكتاب نهجه في الثقافة والبيان، وكان فخر الرجل في أن يلقب بلقبه، وأقبلوا على كتبه وأدبه يتثقفون بثقافتها ويرونها تعلم العقل أولًا والأدب ثانيًا وبلغ من اهتمام خاصة رجال الفكر الإسلامي بها أن كانوا يسألون الناس عن المفقود منها في البيت الحرام وعرفات، وكان معاصروه يحذرون خصومته حتى لا يسمهم بميسم الخزي والهوان إلى الأبد، ومن ساء جده منهم فكان هدفًا لسخريته اللاذعة سار على الأجيال صورة مشوهة وإساءة لا يغفرها الزمن كما فعل الجاحظ مع أحمد بن عبد الوهاب بطل رسالته الساخرة المتهكمة "التربيع والتدوير".. وحسبك أن المأمون كان يقرأ تآليف الجاحظ ويثني عليها ويستجديها١.