للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- ومما سبق الإشارة إليه في الملاحظة السابقة نعلم أن المجاز العقلي أعم من أن يكون في النسبة الإسنادية أو غيرها، فكما أن إسناد الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه مجاز، فكذا إيقاعه على غير ما حقه أن يوقع عليه، وإضافة المضاف إلى غير ما حقه أن يضاف إليه؛ لأنه جاز موضعه الأصلي، فالمذكور في الخطيب إما تعريف للمجاز العقلي في الإسناد خاصة أو لمطلقه باعتبار أن يجعل الإسناد المذكور في التعريف أعم من أن يدل عليه الكلام بصريحه كما مر أو يكون مستلزمًا له كما في: {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} فإنه جعل البين شقاقًا في الآية، وكما في {مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} حيث جعل الليل والنهار ماكرين، وكما في يا سارق الليلة أهل الدار فإنه جعل الليل مسروقة، وكما في {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ} ، حيث جعل الأمر مطاعًا ... وكذا فيما جعل فيه الفاعل المجازي تمييزًا كقوله تعالى: {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٣٤] ؛ لأن التمييز في الأصل فاعل، قال السعد: واعلم أن المجاز العقلي قد يدل عليه صريحًا كم مر، وقد يكون كناية كما ذكروا في قولهم "سل الهموم" أنه من المجاز العقلي حيث جعل الهموم مخزونة بقرينة إضافة التسلية إليها، فافهم ولا تقصر المجاز العقلي على ما يفهم من ظاهر كلام السكاكي والخطيب، وقال الدسوقي: المجاز العقلي والحقيقة العقلية يجريان في الإضافة مثل أعجبني جري الماء في النهر وجري النهر، وفي الإيقاعية مثل نومت ابني في الليل ونومت الليل أي أوقعت النوم عليه، فلا تختص الحقيقة والمجاز بالنسبة الإسنادية كما يوهمه كلام الخطيب؛ لأنهما كما يجريان في الإسنادية يجريان في الإضافة وهي النسبة الواقعة بين المضاف والمضاف إليه، وفي الإيقاعية وهي نسبة الفعل للمفعول فإن الفعل المتعدي واقع على المفعول أي متعلق به -ولكن يلاحظ أن ظاهر هذا يقتضي أن الايقاعية غير تامة مع أن نسبة الفعل للمفعول إنما تعتبر بعد التمام فكان الأولى الاقتصار على الإضافية إلا أن يقال إنهم التفتوا إلى نسبة الفعل للمفعول في حد ذاته بقطع النظر عن نسبته

<<  <  ج: ص:  >  >>