للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما للكناية حيث الاسم صالح لها، ومما ورد صالحًا للكناية من غير باب المسند إليه قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، أي جهنمي١.


١ أي يؤتى بالمسند إليه علمًا للكناية عن معنى يصلح العلم له -أي لذلك المعنى بحسب معناه الأصلى قبل العلمية- نحو "أبو لهب فعل كذا" كناية عن كونه جهنميا، فأبو لهب بحسب الأصل مركب إضافي معناه ملابس اللهب أي النار ملابسة شديدة ومن لوازم ذلك كونه جهنميًّا فأطلق وأريد هذا اللازم فيكون انتقالًا من الملزوم إلى اللازم باعتبار الوضع الأول وهذا الانتقال من المعنى الموضوع له أولًا وإن لم يكن هو المستعمل فيه اللفظ إلى لازمه كاف في الكناية ولا يتوقف على إرادة لازم ما استعمل فيه اللفظ.. وقيل إن الكناية هنا كما يقال: حاتم ويراد به لازم معناه بأن يستعمل اللفظ ابتداء في ذلك اللازم الذي اشتهر اتصاف معناه به الجواد لا الشخص المسمى بحاتم، ويقال رأينا "أبا لهب" لينقل منه إلى الملزوم وهو الشخص الكافر المعلوم، فالكناية على هذا بالنظر للوضع الثانوي وهو العلمي.
فعلى القول الأول اللفظ مستعمل في معناه الأصلية لينتقل منه للازم معناه. وإما على القول الثاني فاللفظ لم يستعمل في المعنى الأصلي ولا في المعنى الثانوي وهو الذات المعينة وإنما استعمل في لازمهما ابتداء، فحاتم قد استعمل ابتداء في الجود اللازم للإنسان المعروف وهو الطائي لينتقل منه إلى كونه جوادًا.. ويرد على القول الثاني أنه لو كان كذلك يكون حيئنذ استعمل لا كناية؛ لأنه قد استعمل لفظ حاتم في غير ما وضع له وهو رجل آخر جواد للمشابهة، وإن كان لعلاقة غيرها كالإطلاق والتقييد كان مجازًا مرسلًا، كما يرد عليه أنه لو كان المراد ما ذكره لكان قولنا فعل هذا الرجل كذا مشيرًا إلى كافر -والقصد إن الفعل صدر من غيره- وقولنا: أبو جهل فعل كذا مشيرًا إلى كافر لا يمسي أبا جهل، كناية عن الجهنمي، ولم يقل به أحد، ومما يدل على فساد ذلك أيضًا أن صاحب المفتاح وغيره مثلوا لهذه الكناية بقوله تعالى: تبت يدا أبي لهب، ولا شك أن المراد به الشخص المسمى بأبي لهب لا كافر آخر، وحيث كان كذلك لم يكن كناية عن الجهنمي إلا على القول الأول، إذ على الثاني لا يكون كناية عنه إلا إذا كان المراد شخصًا غير المسمى بأبي لهب ...
هذا والكناية هي عند المصنف استعمال اللفظ في معناه ابتداء لينتقل منه للازمه، وهي عند السكاكي استعمال اللفظ في لازم معناه لينتقل منه إلى الملزوم الذي هو معنى اللفظ الموضوع له.

<<  <  ج: ص:  >  >>