للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد شكك السكاكي على تعريف الحقيقة والاستغراق بما خرج الجواب عنه مما ذكرنا١:

ثم اختار٢-بناء على ما حكاه عن بعض أئمة أصول الفقه من كون اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير- أن المراد بتعريف الحقيقة تنزيلها منزلة المعهودة بوجه من الوجوه الخطابية، إما لكون الشيء حاضرًا في الذهن لكونه محتاجًا إليه على طريق التحقيق أو التهكم، أو لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم على أحد الطريقين٣، وإما؛ لأنه لا يغيب عن الحس على أحد الطريقين لو كان معهودًا.

وقال٤:


١ قال السكاكي: "إن قصد به -أي بالمعرف بلام الحقيقة- الإشارة إلى الماهية من حيث هي هي لم تتميز من أسماء الأجناس التى ليست فيها دلالة على البعضية والكلية نحو رجعي وذكري والرجعي والذكري، وإن قصد به الإشارة إليها باعتبار حضورها في الذهن لم يتميز عن تعريف العهد" "ص٩٣ من المفتاح"، وجوابه أنا لا نسلم عدم تميزه عن تعرف العهد على هذا التقدير؛ لأن النظر في العهد إلى فرد معين أو اثنين أو جماعة بخلاف الحقيقة فإن النظر فيها إلى نفس المساهمة والمفهوم باعتبار كونها حاضرة في الذهن وهذا المعنى غير معتبر في اسم الجنس النكرة، وعدم اعتبار الشيء ليس باعتبار لعدمه.. وقال السكاكي في تتمة كلامه: "وإن قصد بتعريف الحقيقة" الاستغراق لزم في اللام كونها موضوعة لغير التعريف ولزم مع ذلك أن يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعًا بين المتنافين ... وكل ذلك على ما يرى فاسد، والأقرب -بناء على قول بعض أئمة أصول الفقه أن اللام موضوعة لتعريف العهد غير- هو أن يقال: المراد بتعريف الحقيقة أحد قسمي التعريف وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إلخ.
٢ أي السكاكي.
٣ أي التحقيق أو التهكم.
٤ أي السكاكي أي أن لام الاستغراق موضوعة في أصلها للحقيقة من حيث هي فتصلح من أصلها للاستغراق ولغيره بحسب اختلاف المقامات، وهذا جواب من السكاكي عن تشكيكه في الاستغراق بعد جوابه عن تشكيكه في تعريف الحقيقة، ومبناه على إدخال لام الاستغراق في لام العهد؛ لأن الاستغراق لا يجوز أن يكون معنى اللام.. ورأيي أن رأي السكاكي في اللام أقرب إلى البلاغة وأبعد عن اصطلاحات المنطق والنحو التي لا طائل تحتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>