وسبب تقويه هو أن المبتدأ يستدعي أن يستند إليه شيء، فإذا جاء بعده ما يصلح أن يستند إليه صرفه إلى نفسه. فينعقد، بينهما حكم، سواء كان خاليًا عن ضميره نحو "زيد غلامك" أو متضمنًا له نحو أنا عرفت، وأنت عرفت، وهو عرف، أو "زيد عرف" ثم إذا كان متضمنًا لضميره صرفه ذلك الضمير إليه ثانيًا فيكتسي الحكم قوة١.
ومما يد على أن التقديم يفيد التأكيد أن هذا الضرب من الكلام يجيء:
وفيما اعترض فيه شك نحو أن تقول للرجل: كأنك لا تعلم بالذي تقول"، فتقول أنت تعلم أن الأمر على ما أقول، وعليه قوله تعالى:{وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: ٧٨] ؛ لأن الكاذب لاسيما في الدين لا يعترف بأنه كاذب فيمتنع أن يعترف بالعلم بأنه كاذب.
وفيما اعترض فيه شك نحو أن تقول للرجل: كأنك لا تعلم ما صنع فلان، فيقول: أنا أعلم.
وفي تكذيب مدع، كقوله تعالى:{وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ}[المائدة: ٦١] ، فإن قولهم: "آمنا دعوى منهم أنهم لم يخرجوا به للكفر كما دخلوا به.
وفيما يقتضي الدليل أن لا يكون، كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[النحل: ٢٠] .
فإن مقتضى الدليل أن لا يكون ما يتخذ إلهًا مخلوقًا.
١ ويعلل عبد القاهر سبب التقوي بأن تقديم ذكر المحدث عنه يفيد تنبيه السامع لقصده بالحديث قبل ذكر الحديث تحقيقًا للأمر وتأكيدًا له.