٣ ألا يمنع من التخصيص مانع. فإذالم تتحقق هذه الشروط فلا يفيد التقديم إلا التقوي، وخرج بالشرط الأول المعرفة، لانتفاء جواز تقدير كونها مؤخرة على أنها فاعل معنى فقط، فتقديمها مطلقًا لا يفيد إلا التقوي عنده.. واستثنى السكاكي من هذا الشرط النكرة، فتقديمها عنده لإفادة التخصيص قطعًا مطلقًا إلا إذا منع من التخصيص مانع، هذا ورأيي أنا إن كلام عبد القاهر في الدلائل، وكما يدل على ظاهر كلام الخطيب أيضًا مشعر أنه إذا بني الفعل على منكر كان التقديم للتخصيص قطعًا، لا كما قيل من احتماله للتخصيص والتأكيد.. وأما الضمير فهو عند السكاكي يحتمل أن يكون تقديمه للتخصيص أو للتقوي، فإن لم يعتبر كونه مؤخرًا في الأصل على أنه فاعل معنى فقط فلا يفيد تقديمه إلا التقوي، وإن اعتبر ذلك كان تقديمه للتخصيص، أما الشرط الأول فموجود في الضمير ومتحقق فيه. وخلاصة رأي السكاكي في النكرة هو أن تقديم النكرة التي خبرها فعلى "ومثلها عنده المشتق" للتخصيص مطلقًا بشرط أن لا يمنع من التخصيص مانع، فرجل جاءني أو ما رجل جاءني أو رجل ما جاءني كل هذه الصور الثلاث للتخصيص عنده.. "وشر أهر ذا ناب" للتقوي فقط عنده وذلك؛ لأن هذا المثال قام به مانع يمنع إفادته للاختصاص وذلك المانع هو انتقاء فائدة القصر. أما امتناع كون التخصيص فيه للجنس فلا متناع أن يراد أن المهر شر لا خير؛ لأنه لا يكون إلا شرًّا. وأما امتناع كون التخصيص فيه للواحد فلنبو تخصيص الواحد عن مواضع استعمال هذا الكلام؛ لأنه يقال في مقام الحث على شدة الحزم عند الشدائد والتحريض على قوة الاعتناء بدفع هذا الشر لعظمه فلا يقصد به أن المهر شر لا شران؛ لأن كون المهر شرًّا لا شرين مما يثبط العزائم.. فلا يقصد من التقديم هنا إلا التقوية والتعظيم. وقد علم مما تقدم أن عبد القاهر يرى أن التقديم فيه للتخصيص. ويوفق الخطيب بين رأي الشيخ والسكاكي بأن السكاكي يمنع كونه لتخصيص الجنس أو الواحد والجمهور حيث يقولون: بأنه للتخصيص يريدون التخصيص النوعي بجعل التنكير في شر للتعظيم والتهويل، فلا منافاة لعدم توارد الإيجاب والنفي على موضع واحد، وفي مذهب السكاكي نظر لأن في "شر أهر ذا ناب" التخصيص قد يكون لمجرد التوكيد أو لتنزيله منزلة المجهول، وقد يجاب عن هذا بأن الأصل في التخصيص أن يكون فيما يمكن فيه الإنكار، واستعماله فيما ذكر على خلاف الأصل.