للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الالتفات من محاسن الكلام، ووجه حسنه على ما ذكر الزمخشري هو أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية١ لنشاط السامع، وأكثر إيقاظًا للإصغاء إليه٢ من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختص مواقعه بلطائف: كما في سورة الفاتحة، فإن العبد إذا افتتح حمد مولاه الحقيقي بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكرة لما هو فيه، بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الدال على اختصاصه بالحمد وإنه حقيق به، وجد من نفسه لا محالة محركًا للإقبال عليه، فإذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله: {رَبِّ الْعَالَمِيْنَ} الدال على أنه مالك للعالمين لا يخرج منهم شيء عن ملكوته وربوبيته، قوى ذلك المحرك، ثم إذا انتقل إلى قوله: {الْرَحْمَنِ الْرَحِيْمِ} الدال على أنه منعم بأنواع النعم جلائلها ودقائقها، تضاعفت قوة المحرك، ثم إذا انتقل إلى خاتمة هذه الصفات العظام وهي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الْدِّيْنَ} الدال على أنه مالك للأمر كل يوم الجزاء تناهت قوته وأوجب الإقبال عليه وخطابه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات٣، وكما في قوله تعالى: {وَلَوْ أنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ


١ أي تجديدًا وإحداثًا من "طريت الثوب"..
٢ أي إلى ذلك الكلام؛ لأن لكل جديد لذة. وهذا وجه حسن الالتفات على الإطلاق. وهذا هو كلام السكاكي أيضًا.
٣ وهذا في معنى كلام السكاكي أيضًا "٨٧ من المفتاح".
هذا وبين التجريد والالتفات عموم وخصوص من وجه: يجتمعان في: {فَصِلِّ لِرَبِّكَ} ، وينفرد الالتفات دون التجريد في "تكلفني ليلى"، وينفرد التجريد دون الالتفات في "رأيت منه أسدًا" ومثل "تطاول ليلك" عند الجمهور. ولا يوجد واحد منهما كما في غالب القرآن. وقالوا لا يكون الالتفات إلا في جملتين أي كلامين مستقلين. واعترض على هذا السبكي.
والتجريد إخلاص الخطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك لا المخاطب نفسه. وفائدته طلب التوسع في الكلام وتمكن المخاطب من إجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره على نفسه إذ يكون مخاطبًا بها غيره ليكون أعذر وأبرأ من العهدة فيما يقوله غير محجور عليه. فالتجريد قسمان: =

<<  <  ج: ص:  >  >>