للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كوة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوة١.. وأما قول خداش:

"وتركب خيلا لا هوادة بينها" ... وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر٢

فقد ذكر له سوى القلب وجهان:

أحدهما: أن يجعل شقاء الرماح بهم استعارة عن كسرها بطعنهم بها.

والثاني: أن يجعل نفس طعنهم شقاء لها تحقيرًا لشأنهم وأنهم ليسوا أهلا؛ لأن يطعنوا بهاكما يقال شقى الخز بجسم فلان إذا لم يكن أهلًا للبسه. وقيل في قول قطري بن الفجاءة:

ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الأقدام٣

أنه من باب القلب، على أن لم أصب بمعنى لم أجرح، أي قارح


١ حمل السكاكي كل هذه الآيات على القلب ص٩١ المفتاح.
٢ الضياطرة جمع ضيطر وهو العظيم أو الضخم اللئيم العظيم الأست، الحمر جمع أحمر اللون وقيل هو الذي لا سلاح معه.. هذا والشاهد في الشطر الثاني وكأن أصل الكلام: وتشقى الضياطرة الحمر بالرماح. وعلى أنه لا قلب فيه يكون قوله "وتشقى" استعارة جعل كسر الرماح في حربهم شقاء لها، أو يكون جعل نفس الطعن شقاء لها وتحقيرا لشأنهم وإنهم ليسوا أهلًا لأن يطعنوا بها. وقال السكاكي:
في البيت قلب أراد تشقى الضياطرة بالرماح، ولك ألا تحمله على القلب بواسطة استعارة الشقاء لكسرها بالطعان.
٣ راجع البيت في صفحة١١٩ من أسرار البلاغة.. وجملة "وقد أصبت ولم أصب" اعتراضية أي جرحت ولم أجرح. "وأصبت" بالبناء للفاعل. "وأصب" بالبناء للمفعول. وفلان جذع أي حديث السن، وقارح أي كبيرة، وجذع البصيرة أي غير مجرب للأمور، وقارح الأقدام أي له أقدام أهل العقول والسن القديم. وهذا عكس المراد؛ لأن المقصود وصفه بأنه قارح البصيرة أي مجرب قتل الأمور علما وأنه جذع الأقدام أي شجاع قوي شديد. فالأصل أن يقول: ثم انصرفت قارح البصيرة جذع الأقدام، ولكنه قلب فأوهم خلاف المراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>