للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا التركيب١ يفيد إسناد الفعل إلى الفاعل مرتين إجمالًا ثم تفصيلًا٢، والثاني أن نحو "زيد" فيه ركن الجملة٣ لا فضلة، الثالث أن أوله غير مطمع للسامع في ذكر الفاعل، فيكون عند ورود ذكره كمن تيسرت له غنيمة من حيث لا يحتسب، وخلافه بخلاف ذلك.

ومن ذلك الباب، أعني الحذف الذي قرينته وقوع الكلام جوابًا عن سؤال مقدر: قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِن} على وجه، فإن "لله شركاء" إن جعلا مفعولين لجعلوا، فالجن يحتمل وجهين: أحدهما: ما ذكره الشيخ٤ عبد القاهر، من أن يكون منصوبًا بمحذوف دل عليه سؤال مقدر، كأنه قيل من جعلوا لله شركاء؟ فقيل الجن، فيفيد الكلام إنكار الشرك مطلقًا فيدخل اتخاذ الشريك من غير الجن في الإنكار، دخول اتخاذه من الجن، والثاني: ما ذكره الزمخشري، وهو أن ينتصب "الجن" بدلًا من شركاء فيفيد إنكار الشريك مطلقًا أيضًا كما مر، وإن جعل لله "لغوا" كان "شركاء الجن" مفعولين قدم ثانيهما على الأول، وفائدة التقديم استعظام أن يتخذ "لله" شريك: ملكًا كان أو جنيا أو غيرهما ولذلك قدم اسم "الله" على الشركاء، ولو لم يبين الكلام على التقديم وقيل: "وجعلوا الجن شركاء لله، لم يفد إلا إنكار جعل الجن شركاء، والله أعلم.


١ وهو قولنا "لبيك يزيد ضارع" ببناء الفعل للمفعول.
٢ أما التفصيل فظاهر، وأما الإجمال؛ فلأنه لما قيل "لبيك" علم أن هناك باكيًا يسند إليه هذا البكاء؛ لأن المسند إلى المفعول لابد له من فاعل محذوف أقيم المفعول مقامه ولا شك أن المكرر أوكد وأقوى وأن الإجمال ثم التفصيل أوقع في النفس.
٣ لكونه المسند إليه لا مفعولًا.
٥ راجع ٢٢٢ من الدلائل، ص٩٩ من المفتاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>