للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} بأن يحتمل أن يكون للتوبيخ على الريبة لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها ويحتمل أن يكون لتغليب غير المرتابين من المخاطبين على المرتابين منهم فإنه كان فيهم من يعرف الحق وإنما ينكر عنادًا، وكذلك قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْث ١} .

والتغليب٢ باب واسع يجري في فنون كثيرة كقوله تعالى: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أو لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ١٨٨] ، أدخل شعيب عليه السلام في لتعودن في ملتنا بحكم التغليب، إذ لم يكن شعيب في ملتهم أصلًا، ومثله قوله تعالى: {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم} وكقوله تعالى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين} عدت الأنثى من الذكور بحكم التغليب وكقوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس} عد إبليس من الملائكة بحكم التغليب وكقوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون} بتاء الخطاب غلب جانب أنتم على جانب قوم، ومثله {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون} .


١ وههنا بحث، وهو أنه إذا جعل الجميع بمنزلة غير المرتابين كان الشرط قطعي اللا وقوع، فلا يصح استعمال أن فيه، كما إذا كان قطعي الوقوع؛ لأنها إنما تستعمل في المعاني المحتملة المشكوكة، وليس المعنى ههنا على حدوث الارتياب في المستقبل، ولهذا زعم الكوفيون أن "أن" ههنا بمعنى إذا. ونص المبرد والزجاج على أن أن لا تقلب كان إلى معنى الاستقبال، لقوة دلالته على المضي، فمجرد التغلب لا يصحح استعمال أن ههنا. بل لا بد من أن يقال لما غلب صار الجميع بمنزل غير المرتابين فصار الشرط قطعي الانتفاء، فاستعمل فيه أن على سبيل الفرض والتقدير للتبكيت والإلزام، كقوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} ، {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} .
٢ قال صاحب البيان: هو ترجيح أحد المعلومين على الآخر في إطلاق لفظه عليهما، والقيد الأخير لإخراج المشاكلة: وهو عند صاحب المطول من باب المجاز المرسل الذي ترجع علاقته إلى المجاورة، أو من قبيل عموم المجاز، وقال غيره إنه: "إعطاء أحد المتصاحبين أو المتشابهين حكم الآخر بأن يجعل الآخر موافقًا له في الهيئة أو المادة. هذا والتغليب ليس بحقيقة ولا مجاز كما في الدسوقي، وإن صرح البعض بأنه من باب المجاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>