على وجه لا يورثهم مزيد غضب وهو ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل ومواجهتهم بذلك، ويعين على قبوله لكونه أدخل في أمحاض النصح لهم، حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه. ومن هذا القبيل قوله تعالى:{قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون} ، فإن حق النسق من حيث الظاهر:"قل لا تسألون عما عملنا ولا نسأل عما تجرمون"، وكذا ما قبله:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . قال السكاكي رحمه الله: وهذا النوع من الكلام يسمى المنصف، ومما يتصل بما ذكرناه أن الزمخشري قدر قوله تعالى:{وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُون} عطفًا على جواب الشرط في قوله تعالى: {إن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ وألْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}[الممتحنة: ٢] ، وقال:"الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الأعراب فإن فيه نكتة، كأنه قيل: وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين جميعًا من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض وردكم كفارًا، وردكم كفارًا أسبق المضار عندهم وأولها، لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم؛ لأنكم يذالون لها دونه، والعدو أهم شيء عنده أن يقصد أعز شيء عند صاحبه" هذا كلامه، وهو حسن دقيق، لكن في جعل:{وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُون} عطفًا على جواب الشرط نظر؛ لأن ودادتهم أن يرتدوا كفارًا حاصلة وإن لم يظفروا بهم، فلا يكون في تقييدها بالشرط فائدة، فالأولى أن يجعل قوله:{وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُون} عطفًا على الجملة الشرطية كقوله تعالى: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُون} .