فعمل الرفع في الفاعل ليعلم التباسه به من جهة وقوعه منه، والنصب في المفعول ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه. أما إذا أريد الأخبار بوقوعه في نفسه من غير إرادة أن يعمل ممن وقع في نفسه أو على من وقع، فالعبارة عنه أن يقال كان ضرب أو وقع ضرب أو وجد أو نحو ذلك من ألفاظ تفيد الوجود المجرد١. وإذا تقرر هذا فنقول:
الفعل المتعدي إذا أسند إلى فاعله ولم يذكر له مفعول فهو على ضربين:
الأول: أن يكون الغرض إثبات المعنى في نفسه للفاعل على الإطلاق أو نفيه عنه كذلك، وقولنا:"على الإطلاق" أي من غير اعتبار عمومه
١ ويقول عبد القاهر في الدلائل ص١١٨: "وإذ قد بدأنا في الحذف بذكر المبتدأ فإني أتبع ذلك ذكر المفعول به إذا حذف خصوصًا، فإن الحاجة إليه أمس، وهو بما نحن به أخص، واللطائف كأنها فيه أكثر، وما يظهر بسببه من الحسن أعجب وأظهر. وههنا أصل يجب ضبطه، وهو أن حال الفعل مع المفعول الذي يتعدى إليه حاله مع الفاعل، وكما أنك إذا قلت ضرب زيد فأسندت الفعل إلى الفاعل كان غرضك من ذلك أن تثبت الضرب فعلًا له لا أن تفيد وجود الضرب في نفسه وعلى الإطلاق، كذلك إذا عديت الفعل إلى المفعول فقلت ضرب زيد عمرًا، كان غرضك أن تفيد التباس الضرب الواقع من الأول بالثاني ووقوعه عليه، فقد اجتمع الفاعل والمفعول في أن عمل الفعل فيهما إنما كان من أجل أن يعمل التباس المعنى الذي اشتق منه بهما، فعلم الرفع في الفاعل ليعلم التباس الضرب به من جهة وقوعه منه، والنصب في المفعول ليعلم التباسه به من جهة وقوعه عليه، ولم يكن ذلك ليعلم وقوع الضرب في نفسه، بل إذا أريد الإخبار بوقوع الضرب ووجوده في الجملة من غير أن ينسب إلى فاعل أو مفعول أو يتعرض لبيان ذلك فالعبارة فيه أن يقال: كان ضرب أو وقع ضرب وما شاكل ذلك من ألفاظ تفيد الوجود المجرد في الشيء" أ. هـ عبد القاهر. وقد نقل الخطيب في الإيضاح كلام الدلائل بالنص.