للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مازيدًا ضربت ولا أحدًا من الناس، لتناقض دلالتي الأول١ والثاني، ولا أن تعقب الفعل المنفي بإثبات ضده كقولك: "ما زيدًا ضربت ولكن أكرمته"؛ لأن مبنى الكلام ليس على أن الخطأ في الضرب فترده إلى الصواب في الأكرام، وإنما هو على أن الخطأ في المضروب حين اعتقد أنه زيد فرده إلى الصواب أن تقول ولكن عمرًا، وأما نحو قولك زيدًا عرفته: فإن قدر المفسر المحذوف قبل المنصوب أي عرفت زيدًا عرفته فهو من باب التوكيد أعني تكرير اللفظ٢ وإن قدر بعده زيدًا عرفت عرفته أفاد التخصيص٣. وأما٤ نحو قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم} فيمن قرأ بالنصب فلا يفيد إلا التخصيص لامتناع تقدير أما فهدينا ثمود٥ وكذلك إذا قلت بزيد مررت أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد فأزلت عنه الخطأ مخصصًا مرورك بزيد دون غيره٦.


١ لأن التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيد تحقيقًا لمعنى الاختصاص وقولك "ولا أحدًا من الناس" ينفي ذلك، فيكون المفهوم التقديم مناقضًا لمنطوق "ولا أحدًا"، نعم لو كان التقديم لغرض آخر غير الاختصاص جاز "ما زيدًا ضربت ولا أحدًا من الناس".
٢ أي إذا قدر الفعل المحذوف المفسر بالفعل المذكور قبل المنصوب أي عرفت زيدًا عرفته.
٣ لأن المحذوف المقدر كالمذكور فالتقديم عليه كالتقديم على المذكور في إفادة الاختصاص كما في بسم الله فنحو زيدًا عرفته محتمل للمعنيين: التأكيد والتخصيص فالرجوع في التعيين إلى القرائن، وعند قيام القرينة على أنه للتخصيص يكون أوكد من قولنا زيدًا عرفت" لما فيه من تكرار الإسناد المفيد لتأكيد الجملة.
٤ هذا نص كلام السكاكي في المفتاح ص٩٧.
٥ أي لامتناع تقدير الفعل مقدمًا نحو: أما فهدينا ثمود، لالتزامهم وجود فاصل بين أما والفاء بل التقدير أما ثمود فهدينا هديناهم بتقديم المفعول. وفي كون هذا التقديم الحاصل مع أما للتخصيص نظر؛ لأنه يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل كما إذا جاءك زيد وعمرو ثم سألك سائل: ما فعلت بهما؟ فتقول: أما زيدًا فضربته وأما عمرًا فأكرمته.
٦ فالمثال هو مثل "زيدًا عرفت" في إفادة الاختصاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>