للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنه جعل تقديم لله على شركاء للعناية والاهتمام وليس كذلك، فإن الآية مسوقة للإنكار التوبيخي، فيمتنع أن يكون تعلق "جعلوا" بالله منكرًا من غير اعتبار تعلقه بشركاء، إذ لا ينكر أن يكون جعل ما متعلقًا به، فيتعين أن يكون إنكار تعلقه به باعتبار تعلقه بشركاء وتعلقه بشركاء كذلك منكر باعتبار تعلقه بالله، فلم يبق فرق بين التلاوة وعكسها١. وقد علم بهذا أن كل فعل متعد إلى مفعولين لم يكن الاعتناء بذكر أحدهما إلا باعتبار تعلقه بالآخر، إذا قدم أحدهما على الآخر لم يصح تعليل تقديمه٢ بالعناية.

وثانيهما: أنه جعل التقديم للاحتراز عن الإخلال ببيان المعنى والتقديم للرعاية على الفاصلة من القسم الثاني، وليسا منه٣.

وثالثها: أن تعلق من قومه بـ"الدنيا" على تقدير تأخره غير معقولًا إلا على وجه بعيد٤.


١ أي لا فرق بين تقديم "لله" وتأخيره.
٢ والجواب على هذا الاعتراض أنه ليس في كلامه ما يدل على أن المنكر تعلق جعلوا بالله من غير اعتبار تعلقه بشركاء، بل كلامه أن المنكر تعلقه بهما لكن العناية بالله أتم وإيراده في الذكر أهم لكونه في نفسه نصب عين المؤمن، ولا يخفى أنه لا يرد على هذا ما ذكره.
٣ أجيب عن هذا الأعتراض بالمنع فإن الاحتراز المذكور أمر عارض أوجب -لما تقدم- أن يكون نصب العين.
٤ أي أن تعلق من قومه بالدنيا على تقدير تأخره وإن كان صحيحًا من جهة اللفظ بناء على أن الدنيا وصف والدنو يتعدى بمن لكنه غير معقول من جهة المعنى إذ لا معنى لقولنا أترفنا الكفرة ونعمناهم في الحياة التي دنت من حياة قوم نوح أي كانت قريبة من حياتهم. وهذا الاعتراض وإن كان مناقشة في المثال لكنه حق واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>