للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها الاستبعاد ١:

نحو: {أَنَّى لَهُمُ٢ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} ؟

ومنها التوبيخ والتعجيب جميعًا:

كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أمْوَاتًا فَأحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: كيف تكفرون والحال أنكم عالمون بهذه القصة أما التوبيخ؛ فلأن الكفر مع هذه الحال ينبئ عن الإنهماك في الغفلة أو الجهل، وأما التعجب؛ فلأن هذه الحال تأبى أن لا يكون للعاقل علم بالصانع، وعلمه به يجعله يأبى أن يكفر، وصدور الفعل مع الصارف القوي مظنة تعجب ونظيره: {أَتَأْمُرُوْنَ الْنَّاْسَ


١ أي عد الشيء بعيدًا. والفرق بينه وبين الاستبطاء أن متعلقه غير متوقع والاستبطاء متعلقه متوقع غير أنه بطيء. واستعمال الاستفهام في الاستبعاد مجاز مرسل علاقته المسببية أو اللزومية.
٢ فلا يجوز حمل الاستفهام هنا على حقيقة الاستفهام وهو ظاهر بل المراد استبعاد أن يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى: {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْه} ، أي كيف يذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوا من الإيمان عند كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الأذكار، من كشف الدخان وما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يذكروا وأعرضوا عنه. هذا ومن مثل خروج الاستفهام إلى الاستبعاد، قول ابن الفارض:
أين منى ما رمت هيهات ... بل أين لعيني باللحظ لثم ثراكا
وقول مهيار:
وأبى كسرى علا إيوانه ... أين في الناس أب مثل أبي
وقول الآخر:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلًا بكى من حب قاتله قبلي
وقول أبي تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم رد جوابه

<<  <  ج: ص:  >  >>