هذا وإنما كان الجمع في المفكرة؛ لأن الجمع من باب التركيب وهو شأنها. هذا والقوى الباطنية المدركة أربعة: فالقوة العاقلة قائمة بالنفس تدرك الكليات والجزئيات المجردة عن عوارض المادة المعروضة للصور وعن الأبعاد. وخزانتها العقل الفياض المدبر لفلك القمر. والقوة الوهمية قوة مدركة للمعاني الجزئية الموجودة التي لا تتأتى إلى مدركها من جهة الحواس كإدراك صداقة زيد وعداوة عمرو. ومحل تلك القوة أو ل التجويف الآخر من الدماغ. وخزانتها الذاكرة والحافظة وهي قائمة بمؤخر تجويف الوهم. أما الحس المشترك: فهو القوة التي تصل إلى الصور المحسوسة الجزئية من الحواس الظاهرة فتدركها وهي قائمة بأول التجويف الأول من الدماغ من جهة الجبهة، والمراد بالصور المدركة بها ما يمكن إدراكه بالحواس الظاهرة ولو كان مسموعًا والمراد بالمعاني الجزئية المدركة للوهم ما لا يمكن إدراكه. وخزانة الحس المشترك الخيال وهو قوة قائمة بآخر تجويف الحس المشترك تبقى فيه تلك الصور بعد غيبتها عن الحس المشترك. وأما المفكرة فقوة في التجويف المتوسط بين الخزانتين تتصرف في الصور الخيالية وفي المعاني الجزئية الوهمية وفي العقلية، فإذا حكمت بين تلك الصور والمعاني بواسطة العقل كانت مفكرة في الحقيقة وإن حكمت بواسطة الخيال فمتخيلة أو بواسطة الوهم فمتوهمة. وليس لها خزانة بل خزانتها جميع خزائن القوى الأخرى. هذا وعبارة السكاكي: أن يكون بين الجملتين اتحاد في تصور مثل الاتحاد في المخبر عنه أو الخبر أو في قيد من قيودهما، وذلك يقتضي أن الجملتين يكفي في الجامع بينهما الاتحاد في واحد ومن هذه الأشياء وقد سبق بيان ضرورة وجود الجامع بين المسندين والمسند إليهما في الجملتين، وقد أجيب عن السكاكي بأن كلامه هنا في بيان الجامع في الجملة لا في بيان القدر الكافي بين الجملتين فقد ذكره في موضع آخر أو أن مراده أن الاتحاد في واحد منها كاف حيث يقصد الاجتماع فيه بالذات وأما المصنف فحمل كلامه على ظاهره ودفع اختلاله بإبداله الجملتين بالشيئين وتعريفه كلمة "تصور" الواردة في كلام السكاكي منكرة، وإن كان ذلك قد أدى إلى خلل في كلام المصنف في قوله: "الوهمي أن يكون بين تصوريهما شبه تماثل أو تضاد أو شبه تضاد، والخيالي أن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال؛ لأن التضاد مثلًا إنما هو بين نفس السواد والبيان لا بين تصوريهما أعني العلم بهما وكذا التقارن في الخيال إنما هو بين نفس الصور.