قال السكاكي: ليس من الواجب في صناعة وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها، في استفادة الذوق منها، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكمات وضعية واعتبارات ألفية؟ فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلد صاحبه في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك، إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق.
وكثيرًا ما يشير الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز إلى هذا، كما ذكر في موضع ما تلخيصه هذا: اعلم أنه لا يصادف القول في هذا الباب موقعًا من السامع، ولا يجد لديه قبولًا، حتى يكون من أهل الذوق والمعرفة، ومن تحدثه نفسه بأنه لما تومئ إليه من الحسن أصلًا. فيختلف الحال عليه عند تأمل الكلام، فيجد الأريحية تارة، ويعرى منها آخرى، وإذا عجبته تعجب، وإذا نبهته لموضوع المزية انتبه، فأما من كانت الحالات عنده على سواء، وكان لا يتفقد من أمر النظم إلا الصحة المطلقة، وإلا إعرابًا ظاهرًا، فليكن عندك بمنزلة من عدم الطبع الذي يدرك به وزن الشعر، ويميز به مزاحفة من سالمه في أنك لا تتصدى لتعريفه، لعلمك أنه قد عدم الأداة التي بها يعرف ... واعلم أن هؤلاء وإن كانوا هم الآفة العظمى في هذا الباب، فإن من الآفة أيضًا من زعم أنه لا سبيل إلى معرفة العلة في شيء مما تعرف المزية فيه، ولا يعلم إلا أن له موقعًا من النفس وحظًّا من القبول، فهذا بتوانيه في حكم القائل الأول.. واعلم أنه ليس إذا لم يمكن معرفة