للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجاحظ يضع الشعر في تقدير العرب موضع البناء في تقدير العجم؛ لتخليد الآثار, والأمم عادة يتنبه فيها الوعي لتخليد آثارها منذ أن تستيقظ. ومعنى هذا أن الشعر العربي موغل في القدم، قدم الصحوة العربية الباكرة؛ لأنه الوسيلة الأولى لخلود الذكر عند العرب. وهذا يتنافى مع القول بأن عمر الشعر الجاهلي ما بين ١٥٠ سنة إلى مائتي سنة؛ إذ المعروف أن مدنية العرب وحضارتهم أقدم من ذلك بكثير ... هذا إلى أن النمو الطبيعي للقصيدة العربية يستدعي أن تكون قد مرت بأطوار شتى في طرق التعبير والتصوير، وانتقلت من طور السجع إلى الرجز إلى الأوزان القصيرة الأخرى، فالأوزان الطويلة، ومن الحسي إلى المعنوي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من الاكتمال سواء في ناحية الموسيقى والوزن أو ناحية البلاغة والبيان ... ومن هنا كان رأي ثعلب، الذي نقله الأصمعي، من أن الشعر الجاهلي كان قبل الهجرة بنحو ٤٠٠ سنة، أدنى إلى المعقول، والمنطق السليم ... بل إن بعض الباحثين المحدثين -اعتمادا على حساب أجيال الأنساب "٤٠ سنة للجيل الواحد"- قد وصل إلى أن أقدم شعر جاهلي كان قبل الهجرة بأكثر من ستمائة سنة, وأن أقدم المقطوعات ينسب لطي بن أدد في القرن السابع قبل الهجرة, وأن لقيطا الإيادي في قصيدته التي مطلعها:

يا دار عبلة من محتلها الجرعا ... هاجت لي الهم والأحزان والوجعا

يعتبر ناظم أول قصيدة من الطوال. وفيها ينذر قومه ويحذرهم من زحف ملك الفرس "سابور ذي الأكتاف"، وقد قيلت هذه القصيدة في سنة ٣٢٦م "٢٩٦ق. هـ"١.

وديوان لقيط الأيادي -وهو مخطوط بدار الكتب- يعتبر -على الأرجح- أقدم دواوين الشعر الجاهلي٢.


١ الأسس المبتكرة لدراسة الأدب الجاهلي ص١١٨, ١١٩.
٢ ديوان الإيادي "ضمن مجموعة خطية برقم ٤١١٣٨, أدب".

<<  <   >  >>