للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقواهم شخصية، وأشجعهم قلبا، وأسخاهم يدا، وأفصحهم لسانا، وأوسعهم صدرا، وأنضجهم عقلا, وهو في الوسط من قومه ينتمي إلى آباء توارثوا المجد.

وشيخ القبيلة -أو سيدها- ينتخب انتخابا طبيعيا إذا ما توفرت له تلك الفضائل من كرم وشجاعة، ومروءة وشهامة، وفصاحة ولسن, وحكمة وتجربة, وفاق غيره فيها. ومن حيث إن هذه الخلال لا تنتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء والأحفاد، فإن سيادة القبيلة ليست منصبا وراثيا.

وفي المسائل القضائية والحربية وغيرها من الشئون العامة لم يكن شيخ القبيلة مستبد السلطان, بل إن عليه أن يستشير مجلس القبيلة المكون من زعماء الأقوام, وبقاؤه في منصبه رهين برضاء زمرة ناخبيه، فسيادة الرئيس إذًا ليست مبنية على التسلط والقهر والاستبداد، وإنما منشؤها التجلة والاحترام والعدالة والديمقراطية، والتفاني في خدمة العشيرة, ومن قولهم المأثور: "سيد القوم خادمهم". وإذا ما ركب شيخ القبيلة رأسه واعتز بطغيانه واستبد بجماعته، فإنه لا يلبث طويلا حتى يثور عليه بعض أفراد قبيلته, ويقتلوه أو يقصوه عن الحكم.

"والعرب عامة, والأعراب منهم خاصة وقد ولدوا في مهاد الديمقراطية، يقابل الواحد منهم شيخه ويقف منه موقف المساواة. ولم يستعمل العرب لقب ملك -في الأغلب- إلا حينما كانوا يشيرون إلى الحكام الأجانب أو أسرتي غسان والمناذرة المتأثرتين بالنفوذ الروماني والفارسي، ومن شذ عن هذه القاعدة ملوك بني كندة١.

والحكم القبلي على هذا النحو هو الذي كان سائدا في البوادي والقبائل الحجازية.

أما المدن كمكة والمدينة، فقد احتفظت بجوهر الروح الديمقراطية في الحكم القبلي، إلا أنها اتخذت ألوانا من التنظيم والتنسيق طبقا لما كانت عليه من درجة التحضر والرقي.


١ المرجع السابق ص٢٥, ٢٦.

<<  <   >  >>