للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكم في يثرب:

فأما "يثرب" حيث تنازع السلطان فيها الأوس والخزرج، فقد أراد كل فريق منهما أن يكون الحكم في رجاله، وبعد حروب استقروا على أن يكون الحكم بينهما بالمناوبة، فيحكم في كل عام زعيم من زعماء الحي الواحد، يليه في العام الثاني, وبذلك يكونون قد وضعوا لهم نظام التناوب في الحكم، فيكون لهذه المدينة حاكم في كل عام١.

وكان أهل يثرب أباة أحرارا, يثورون على الظلم ولا يقبلون الضيم. وقد حدث أن حكم يثرب وما حولها الفطيون اليهودي، وكان فاسقا فاجرا مستهترا، وكانت اليهود تدين بألا تتزوج امرأة منهم إلا دخلت عليه قبل زوجها. ويقال: إن هذا الفاسق قد سولت له نفسه الخبيثة أن يمارس هذه الفعلة الشنعاء مع الأوس والخزرج، بيد أن روحهم العربية الأبيّة أبت أن يُوصَموا بهذه الوصمة البغيضة، فاندس إليه رجل من الخزرج فقتله ... وذلك في قصة ترويها كتب التاريخ ومؤداها: "أن أختا لمالك بن العجلان الخزرجي تزوجت، فلما كان زفافها خرجت إلى مجلس قومها وفيه أخوها مالك، وقد كشفت عن ساقيها، فقال لها: "لقد جئت بسوء" فقالت: "الذي يُراد بي الليلة أسوأ من هذا، أدخل على غير زوجي؟! " ثم عادت فدخل عليها أخوها، فأشار عليها أن يدخل مع النساء، فإذا خرجن ودخل الفطيون قتله، فذهب مع النساء في زي امرأة ومعه سيفه، فلما خرجن قتله مالك وخرج هاربا ... واستنجد مالك بأبي جبيلة عظيم غسان٢, فأباد كثيرا من اليهود الذين بالمدينة وصار العز بها للأوس والخزرج".

وهكذا تخلصت يثرب من العسف والطغيان, وقضت على سلطان الدخيل، ومحت عن نفسها وصمة الذل والعار بسيف ابن من أبنائها البررة الشجعان.


١ تاريخ العرب قبل الإسلام جواد علي ج٤ ص٢٣٠.
٢ كان اسمه عبيد بن سالم بن مالك بن سالم, وهو خزرجي كذلك؛ لأنه من بني غضب بن جشم من الخزرج. انظر الكامل لابن الأثير ج١ ص٤٠١, ٤٠٢.

<<  <   >  >>