٢- وكانت الأمية تغلب على العرب جميعا، سواء منهم أهل الجنوب أم الشمال، غير أن أهل الجنوب كانوا أكثر إلماما بصناعة الكتابة من أهل الشمال, كما كانوا أسبق منهم إلى معرفة الخط.
وكان الخط اليمني يكتب بحروف منفصلة ويسمى المسند الحميري, وهو مشتق من الخط الفينيقي المأخوذ من الهيروغليفي "المصري القديم". ومن اليمن انتقل الخط المسند إلى كندة والنبط، ومنها إلى الحيرة والأنبار، ثم نقل إلى الحجاز على يد حرب بن أمية بعد أن دخله تغيير أبعده عن صورة المسند الحميري.
فالخط المصري من أقدم الخطوط المعروفة، وهو مبدأ سلسلة الخط العربي باتفاق المؤرخين غربيين وشرقيين، وعنه أخذ الفينيقيون "سكان ساحل الشام غربي جبال لبنان" خطهم الفينيفي لترددهم على مصر بالتجارة، إلا أنهم زادوا فيه حروفا، وأدخلوا عليه من التعديل ما صيره أسهل تناولا. وعن الفينيقيين أخذت أمم شتى "أصول" خطوطها؛ ففي شمال بلاد العرب الآراميون وهم من الأمم السامية القديمة التي كانت تسكن شمالي بلاد العرب في فلسطين والشام والعراق، وفي جنوبها الحميريون.
ومن هنا اختلف مؤرخو العرب والفرنجة، فيرى الأولون أن النبطيين "سكان مدين والعقبة والحجر وفلسطين وحوران" أخذوا خطهم عن الحميريين وأصحاب المسند، بدليل ما عثر عليه فيها من الآثار الكتابية بالخط المسند، ولأن النبط كانوا متصلين باليمن تجاريا، وكان اليمنيون في ذلك الوقت على جانب عظيم من الحضارة، ثم أخذ أهل الحيرة والأنبار خطهم عن هؤلاء النبط، وعن كندة التي أصلها من حمير، وعن هاتين المدينتين انتقل الخط الحميري "النسخي" إلى الحجاز بوساطة بعض التجار الحيريين١ ولكن لم يتعلمه منهم
١ ويقال: إن حرب بن أمية كان قد صادق بشر بن عبد الملك أخا أكيدر صاحب دومة الجندل، بسبب أسفاره التجارية، واستصحبه إلى مكة، وزوجه بنته =