للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أغفلوا بعض مواضع مهمة١ تقوم فيها أسواق، ربما لا تقل شأنا عن التي أفردوها بالذكر؛ كالطائف، وكالسوق التي يقيمها النبط في المدينة أحيانا، فإنا نعلم أن الطائف مدينة قديمة جاهلية، وهي "بلد الدباغ, يدبغ بها الأهب الطائفية المعروكة" ولأهلها زراعة وتجارة وغنى، وربما قاربوا قريشا في شأنها التجاري، ومن ثم كانت لأسواق الطائف أهمية تجارية ملحوظة.

٢- وكانت هذه الأسواق العربية -رغم أنها مكان للتجارة والمقايضة- ميدانا فسيحا لتبادل الآراء، وعرض الأفكار، والتشاور في مشكلات الأمور، ومجالا للمفاخرات والمنافرات والمحاورات، ومعرضا لإذاعة مفاخر القبيلة وشرف الأرومة، وناديا واسعا لإلقاء روائع الشعر، والمباهاة بالفصاحة, والمفاخرة بالبلاغة. وفيها ألقيت أشهر القصائد والمعلقات العربية؛ فأنشد عمرو بن كلثوم معلقته في عكاظ، وكذلك فعل الأعشى الذي أنشد فيها قصيدته في مدح المحلق.

ولقد سبق الإغريق العرب إلى أمثال هذه المحافل في المجتمعات الأولمبية التي كانوا يقيمونها كل أربع سنوات للألعاب الرياضية البدنية كلما حجوا إلى هيكل المشترى في أولمبية، وكانوا يحرمون القتال على أنفسهم في أثنائها على نحو ما يفعل العرب في الأشهر الحرم، فلما استوثق لهم الأمر صارت هذه المجتمعات الأولمبية أندية لإنشاد الشعر وتبادل الأفكار.

وكانت في هذه الأسواق منابر الخطابة في الجاهلية, يقوم عليها الخطيب بخطبته فيذيع فعاله ويعدد مآثره ومآثر قومه وأيامهم عاما بعد عام.


١ أسواق العرب ص١٨٣, وراجع في أسواق العرب: اليعقوبي في تاريخه ١/ ٣١٣, ٣١٤، والهمداني في صفة جزيرة العرب، والمرزوقي في الأزمنة والأمكنة ١٦١-١٧٠، والقلقشندي في صبح الأعشى ١/ ٤١٠, ٤١١، والبغدادي في خزانة الأدب ٤/ ٣٦٠-٣٦٢, والألوسي في بلوغ الأرب ١/ ٢٦٤-٢٧٠.

<<  <   >  >>