للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كانت قريش تسكن مكة في مكان متوسط بين اليمن والشام غير ذي زرع، وليس بهذا المكان موارد تكفيهم، فقد اتخذ القرشيون التجارة مهنة لهم، وأصبحوا ينافسون عرب اليمن، وغدت تجارة قريش -على عهد هاشم بن عبد مناف- تخرج في قوافل عظيمة تشبه الجيش, وقد بلغت أحيانا خمسمائة وألف بعير، تتقدمها الكشافة تتعرف ما في الطريق، والهداة يهدون السبيل والحراس يخفرونها.

وكانت القوافل الحجازية تنزل في أسواق عينتها الحكومة الرومانية لتحصل منهم الضرائب، ولتراقب الأجانب الوافدين على بلادها، وكانت هذه القوافل التي تقصد البلاد الرومانية تنزل أولا في أيلة "العقبة" ومنها تذهب إلى غزة ثم تتفرق القافلة حسب مقتضيات التجارة, على أن تعود فتتجمع في غزة في موعد مضروب, تعود بعده القافلة نحو البلاد العربية. وقد استفاد العرب أثناء رحلاتهم التجارية بعضا من مدنية الروم والفرس وآدابهم, واقتبسوا مما شاهدوه في هذه الأمم من أنظمة حكومية في جمع الضرائب، ومن أخلاق، ولغة وعادات لم تكن لهم، يؤيد ذلك ما أدخله العرب على لغتهم -بتأثير هذه المخالطة- من ألفاظ فارسية، ورومانية، ومصرية، وحبشية، مما أصبح على مر الأيام جزءا لا يتجزأ من اللغة العربية، إلى حد أن نطق بها القرآن الكريم١.

ويقال: إن اسم "قريش" إنما سميت به قبيلة قريش المكية لاشتغالها بالتجارة، فقد ورد في لسان العرب: وقيل: سميت بذلك لأنهم كانوا أهل تجارة ولم يكونوا أصحاب ضرع وزرع، وذلك من قولهم: فلان يتقرش المال أي: يجمعه.

<<  <   >  >>