ولا عربيتهم بعربيتنا". وقال ابن خلدون: "ولغة حمير لغة أخرى مغايرة للغة مضر في الكثير من أوضاعها وتصاريفها وحركات إعرابها, كما هي لغة العرب لعهدنا مع لغة مضر، خلافا لمن يحمله القصور على أنهما لغة واحدة، ويلتمس إجراء اللغة الحميرية على مقاييس اللغة المضرية وقوانينها، كما يزعم بعضهم في اشتقاق "القيل" في اللسان الحميري أنه من القول، وكثير من أشباه هذا وليس ذلك بصحيح".
ولما كان سكان الشمال بدوا يعيشون على انتجاع الكلأ، وتكاد كل قبيلة تكون في معزل عن القبيلة الأخرى -واختلاطهم قليل- لزم أن يكون بين لهجاتهم بعض الاختلاف، وإن كانت مادة لغتهم واحدة، ولكن هذا الاختلاف أقل مما بين سكان الشمال وسكان الجنوب؛ لاتحاد البيئة والمرئيات في شماله "فلم يتعدّ الاختلاف بينها صورة النطق وكيفيته، كما هو الحال بين سكان البلاد المصرية، إذ إن اللهجات المصرية وليدة اللهجات العربية، كما ذكر حفني ناصف وغيره. وقد علمنا أن قريشا بمكة كانت تفوق قبائل الشمال" عقلا ورقيا وتهذيبا وحضارة؛ لما كانت عليه من سيادة، وما كان لها من رحلات تجارية، اتصلت فيها بأمم شتى؛ نقلت عنها شيئا من الحضارة، فكانت بذلك، وبما أودع الله في ألسنتها من مرونة وقوة أقدر على ترقية لغتها وتهذيب نطقها، بما انتقته من لغات القبائل الوافدة عليها في موسم الحج ومجامع التجارة، وما أضافته إلى لغتها من لغات البلاد التي كانت تتجر معها، ولم يسع القبائل الأخرى إلا أن تحاكيها في النطق؛ لسيادتها ونفوذها، فأخذت لغة قريش تقوى ويتسع نفوذها بينما كانت اللهجات الأخرى آخذة في الانكماش؛ وبذا تقاربت اللهجات وكادت تتحد، فلما نزل القرآن الكريم بلغة قريش, وسحر العرب ببيانه، واعتنق العرب الإسلام؛ نمت الغلبة للغة قريش وتوارت تلك اللهجات، إلا آثارا قليلة دونت١ مع لغة قريش.
١ كإعلال الفعل الماضي الثلاثي المختوم بياء، بقلب يائه ألفا، في لغة طيء نحو: =