وفريق منهم اعتنق اليهودية, وهؤلاء كانوا بالمدينة وخيبر وفدك, كما كانوا باليمن كذلك.
أما النصرانية فقد كانت قليلة في الحجاز، وكان أغلب أتباعها في الشام وفي الحيرة ونجران، وكان من أتباعها أمية بن أبي الصلت وقس بن ساعدة وسواهما.
الحنيفية:
والذين نبذوا هذه الأديان، واعتنقوا التوحيد هم من عرب الحجاز, وقد اهتدوا إلى ذلك بفطرتهم السليمة، وكانوا يسمون "الحنفاء", ومنهم: "ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل, الذي يقول:
أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل الخبير
وكان هؤلاء يعظمون الكعبة التي كان أول من بناها أبو الحنيفية البيضاء إبراهيم عليه السلام، ولم يجعل لها سقفا. ثم تجدد بناؤها في عهد العمالقة، وجرهم. ثم جددها أيضا قصي بن كلاب وسقّفها بخشب الدوم وجريد النخل١. ثم بنتها قريش والرسول ابن خمس وثلاثين سنة، ورفعوا بابها حتى لا تدخل إلا بسلم؛ وذلك لتستطيع قريش منع من تشاء من دخولها، وقد حرصت قريش على ألا يدخل في بنائها من كسبهم إلا ما كان طيبا ليس فيه شيء من ربا، أو مهر بغي، أو مظلمة لأحد، واختلفت القبائل فيمن يضع الحجر الأسود موضعه، واحتكموا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقضى بينهم بالحكمة. ثم كان أن احتمى عبد الله بن الزبير في المسجد من الحصين قائد جيش يزيد بن معاوية، وقذف الحصين الكعبة بالمنجنيق، فكاد يهدمها لولا أن قضى الله بوفاة يزيد فانصرف الجيش، فهدم عبد الله بن الزبير بناءها، وبناها على قواعد إبراهيم، وكسا بابها بصفائح الذهب، وجعل مفاتيحها من الذهب أيضا، وجعل لها بابين في مستوى الأرض؛ كي يسهل على العرب المرور بداخل الكعبة.