ولما جاء عبد الملك بن مروان أمر أن يُعاد بناؤها إلى ما كان عليه أيام الرسول. ثم جاء أبو جعفر المنصور، فأراد أن يعيدها إلى ما كانت عليه أيام عبد الله بن الزبير, فمنعه مالك بن أنس؛ سدا لهذا الباب، ومنعا للتلاعب في هذا البناء المقدس في مستقبل الزمان.
ومما ورثه العرب من شريعة إبراهيم: الحج بما فيه من تلبية وطواف، وسعي ووقوف بعرفة، والطهارة بنوعيها، والصلاة مولين وجوههم شطر الكعبة، والزكاة، والصدقة, وصلة الأرحام، والصوم. ومجموع هذه الشريعة يسمى "التحنف", ومعتنقوها "حنفاء"١.
وقد كانت هذه النزعة الإصلاحية التي سيطرت على عقول بعض الحكماء والمفكرين العرب تنبيها للأذهان، وإرهاصا لظهور النبي الجديد، وتهيئة للعقول لتستعد لقبول التعاليم الجديدة التي سيدعو إليها النبي الكريم.
اليهودية:
ظهور اليهودية في يثرب: الراجح أنه حدث في زمن متقدم بعامل الاضطهاد, أو تحت تأثير المنافع المادية، فحينما كثر عدد اليهود بأورشليم، وتطلعت نفوسهم إلى الاستئثار بأمور التجارة والمنفعة، تسربت طوائفهم من أورشليم إلى العقبة، ثم ظهروا في يثرب مهاجرين واستوطنوا الجهات الأكثر صلاحية لهم ولمعايشهم، كأرض خيبر الواقعة شمال يثرب، ووادي القرى المشهور بأرضه الخصبة وحدائقه الزاهرة، وأرض تيماء أيضا، وكل هذه الجهات واقعة شمال الحجاز، ولها أهمية اقتصادية عظيمة، فبعضها يشرف على الطرق التجارية، والبعض ينعم بخيرات الجزيرة.
وقد استطاع اليهود أن يعيشوا في بلاد العرب بوسائلهم التقليدية من المكر والخداع والكيد، ونجحوا إلى حد كبير في الاستئثار بخيرات البلاد، ولكن دينهم نفسه لم يجد له طريقا إلى قلوب العرب, ولعل السبب في ذلك أن كثيرا من أحكام اليهودية لا تتناسب مع أخلاق العرب؛ فاليهودية مثلا
١ اقرأ تفصيل أخبار الموحدين في بلوغ الأرب جـ ص٢٥٣ وما بعدها.