للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تبيح الانتفاع بغنائم الأعداء بل تقول بحرقها، والعربي إنما يقاتل للنهب والسلب غالبا، والعربي إلى جانب ذلك يميل إلى الحرية وعدم التقيد "بالسبت" أو بشيء آخر مما ورد في التوراة.

المسيحية:

وأما المسيحية فلم تكن مجهولة في قلب الجزيرة، ولا سيما مدن الحجاز التجارية؛ فقد كان الحجازيون على اتصال دائم بأهل الشمال. وليس من شك في أن الرهبان الذين كانت صوامعهم تنتثر من فلسطين وشبه جزيرة سيناء حتى قلب الصحراء، كان لهم أثر كبير في تعريف العرب بالنصرانية، على أن الصحراء كانت ملجأ تلوذ به بعض الفرق المضطهدة من الكنيسة الرسمية. وقد عرفت النصرانية في بني أسد بن عبد العزى من قريش، ومنهم عثمان بن الحويرث، وورقة بن نوفل على رأي، وكان ورقة قد استحكم في النصرانية حتى علم من أهل الكتاب كثيرا.

وفي يثرب كان من المناوئين للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند شخوصه إليها, شريف مطاع اسمه أبو عامر عبد عمرو بن صيفي، كان قد ترهب ولبس المسوح وسمي "الراهب", وكان بمكة نصراني اسمه موهب ضرب عليه النبي دينارا كل سنة.

وكان بأيلة نصارى، ضرب عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثمائة دينار كل سنة, وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ولا يغشّوا مسلما١.

الأصنام وأتباعها:

وكانت عبادة الأصنام أقواها نفوذا وأوسعها انتشارا، وليس ذلك بعجيب؛ فإن ضعفاء النفوس في كل زمان ومكان يأبون إلا الارتماء في أحضانها والتشبث بأهدابها {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} الآية. وكأن هذه العقول يشق عليها أن تفهم معنى الألوهية على حقيقته فتريد إلها مجسما, تناجيه عن كثب وتتقدم إليه بحاجاتها كما تتقدم إلى الحكام في شئونها الدنيوية.


١ راجع العرب والإمبراطورية لبروكلمان ص٢٩، واليعقوبي ١/ ٢٨٩، وابن هشام ٢/ ٢١٦، والأم للإمام الشافعي ٤/ ١٠١.

<<  <   >  >>