للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرجع سبب انتشارها في جزيرة العرب إلى الأزمان السحيقة, حين كان يهاجر المكيون من مكة -لما ضاقت بهم- منتشرين في أنحاء الجزيرة، فكان كل فريق منهم يحمل معه حجرا من أحجار البيت، يطوف به حيث يقيم، كما كان يطوف بالكعبة، فلما تقادم العهد، انحرفوا عن الحجارة وزين لهم الشيطان عبادتها، فعبدوها من دون الله.

ويقال: إن الذي نشر عبادتها في الحجاز عمرو بن لحي الخزاعي، جلبها معه من الشام، وقد ذهب إليها يستشفي، فرآها عندهم، فسألهم عنها، فقالوا له: إننا نستنصر بها على الأعداء، ونستسقي بها المطر، فطلب أن يصنع له منها عدد, فصنع وحمله معه، ونصبه حول الكعبة فعبدها العرب، وتعلقوا بها، وكثر اتخاذهم لها، حتى قيل: إنه وجد منها حول الكعبة -يوم الفتح- ستون وثلاثمائة صنم، وكان بالكعبة تمثالا السيد المسيح والعذراء مريم -عليهما السلام- فأخذ الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- يطعنها في وجوهها وأعينها بسية قوسه، ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا" ولم يكتف أهل مكة بهذه الأصنام، بل اتخذ أهل كل بيت صنما لهم في بيتهم، فإذا أراد أحدهم سفرا, كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، فإذا قدم من سفره كان أول ما يصنع أن يتمسح به. وكان لغير قريش طواغيت، أي: بيوت كالكعبة، يصنعون فيها الأصنام، ويطوفون بها، ويهدون إليها الهدايا، ويذبحون عندها الذبائح، ويستقسمون عندها بالقداح، ولها سدنة وحجاب.

والقول بأن الوثنية أول من جلبها إلى بلاد العرب عمرو بن لحي من غير أن يكون لها سابق وجود بشبه الجزيرة، مشهور، وقد يكون بعيدا عن الصواب؛ لأن العرب كان لهم اتصال منذ قديم الزمان بالأمم التي تجاورهم بواسطة التجارة والترحال، وكانت هذه الأمم، وعلى الأخص الفينيقيون، والكلدانيون، والآشوريون، والمصريون، يدينون بالوثنية، وطبعي أن يتأثر العرب بهذه الوثنيات شيئا فشيئا، ثم تسري عدواها إلى القبائل واحدة بعد واحدة حتى تعم القبائل برمتها، وهذا ظاهر من أن كل قبيلة كان لها صنم خاص بها تنصبه في أرضها لتعبده.

<<  <   >  >>