للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتشير رواية الكلبي إلى أن عبادة الأصنام بجزيرة العرب ترجع إلى عهد أسبق من عمرو بن لحي، ذلك أن إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام- لما سكن مكة وولد له أولاد كثيرون, حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد.

وكان الذي جَرَّهم إلى عبادة الأصنام أنه كان كما ذكرنا لا يظعن ظاعن من مكة إلا احتمل معه من حجارة الحرم؛ تعظيما للحرم وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها، وصبابة بالحرم، وحبا له، وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة, ويحجون ويعتمرون على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.

ثم جرهم ذلك إلى أن عبدو ما استحبّوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره؛ فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قوم نوح وغيره١.

وإذًا, فعمرو بن لحي ليس هو أول من جلب هذه العبادة إلى جزيرة العرب، وينبغي أن يكون مفهوما أن عبادة الأصنام التي شاعت بين العرب كانت تختلف في معناها عن الوثنيات الأخرى، فبينما كانت الأصنام في الجهات الأخرى تعبد بصفتها آلهة بذاتها، كانت تعبد في جزيرة العرب بصفتها شفعاء عند الله، فالعرب -بذلك- قد أشركوا الأصنام مع الله سبحانه وتعالى! أي: إن إيمانهم كان شركا. قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .

وأشهر أصنامهم، ما ورد بذكره القرآن، وهو: ود وسواع ويغوث ويعوق٢ ونسر واللات والعزى ومناة. وسمت العرب: عبد ود، وعبد يغوث، وتيم اللات، وكانت قريش وأهل مكة لا يعظمون شيئا من


١ الأصنام للكلبي ص٦.
٢ قال الواقدي: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر.

<<  <   >  >>