للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وإنما سميت الحُمس حُمسا للتشدد في دينهم؛ فالأحمسي -في لغتهم- المتشدد في دينه"١.

وكانت قريش لا تعظم شيئا من الحل كما تعظم الحرم؛ وذلك لئلا تستخف العرب بحرمهم، ولذا فقد تركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم، ويقرون لسائر العرب أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها, إلا أنهم قالوا: نحن الحمس أهل الحرم, فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ولا نعظم غيره. ثم جعلوا لمن ولدوا من سائر العرب سكان الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم، إياهم يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، ودخلت معهم خزاعة وكنانة ومن ذكرناهم من القبائل، وابتدعوا في ذلك أمورا: فلم يكونوا يأقطون الأقط ولا يسلئون السمن وهم حرم ولا يدخلون بيتا من شعر ولا يستظلون إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما، بل غالوا في تشددهم فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا كانوا حجاجا أو عمارا, ولا يأكلون في الحرم إلا من طعام أهل الحرم إما قراء وإما شراء. وكان مما ابتدعوه أنه إذا حج الصرورة من غير الحمس, رجلا كان أو امرأة, لا يطوف بالبيت إلا عريانا, إلا أن يطوف في ثوب أحمسي, إما عارية وإما إجارة، يقف أحدهم بباب المسجد فيقول: من يعير ثوبا؟ فإن أعاره أحمسي ثوبا أو أكراه طاف به، وإن لم يعره ألقى ثيابه بباب المسجد من خارج, ثم دخل الطواف وهو عريان يبدأ بإساف فيستعلمه, ثم يستلم الركن الأسود, ويأخذ عن يمينه ويطوف ويجعل الكعبة عن يمينه, فإذا ختم طوافه سبعا استلم الركن ثم استلم نائلة فيختم بها طوافه, ثم يخرج فيجد ثيابه كما تركها لم تمس, فيأخذها فيلبسها ولا يعود إلى الطواف بعد ذلك عريانا. وقد جاءت امرأة يوما وكان لها جمال وهيئة, فطلبت ثيابا عارية فلم تجد من يعيرها, فلم تجد بدا من أن


١ أخبار مكة ١/ ١١٦ طبعة مكة, و٢/ ٤١ شفاء الغرام.

<<  <   >  >>