للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإلى قصي أيضا يرجع نسب أم ورقة هند بنت أبي عبد بن قصي. وقصي هو الأب الخامس لمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب وهو الذي جمع شتات قريش، ووحّد كلمتهم، وصارت إليه الرياسة والسيادة على مكة كما سبق.

ذلك هو نسب ورقة وحسبه. ولقد نشأ وشبّ في هذه السيادة الفاخرة، وتلك المآثر القرشية الخالدة، عاش في مكة مع قومه يعمل في التجارة كما يعملون, ويلهو كما يلهون، وشهد مواطن قريش، وشارك في مفاخرها، وأصبح بعد قليل رجل صدق وعزم إقدام ورحلة، ويصف ورقة جده ولهوه في هذه الفترة، فيقول:

ولقد ركبت على السفين ملججا ... أذر الصديق وأنتحي دار العدى

ولقد دخلت البيت يخشى أهله ... بعد الهدوء وبعدما سقط الندى

فوجدت فيه حرة قد زينت ... بالحلى تحسبه بها جمر الغضا

فنعمت بالا إذ أتيت فراشها ... وسقطت منها حين جئت على هوى

فتلك لذات الشباب قضيتها ... عني فسائل بعضهم ماذا قضى؟

وخالط ورقة في رحلاته للتجارة أهل الكتاب، واستمع إليهم، ومال إلى ما يؤمنون به من فطرة التوحيد وعبادة الله؛ فأنكر ما كانت عليه قريش من باطل وجهل، وما كانت تمعن فيه من وثنية وشرك, وأعرض عن غيها وباطلها، فاعتزل عبادة الأوثان، وامتنع عن أكل ما يذبح باسم الأصنام، وآمن أن قومه أخطئوا دين أبيهم إبراهيم وإسماعيل, فأخذ ينشد الحنيفية البيضاء، ويسأل عنها الأحبار والرهبان: يروى أنه اجتمعت يوما في عيد لهم عند صنم يعظمونه وينحرون له ويعكفون، فخلص منهم أربعة نفر نجيا، هم: ورقة بن نوفل القرشي، وابن عمه عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وزيد بن عمرو بن نفيل بن كعب بن لؤي، وعبيد الله بن جحش الأسدي وهو ابن أميمة بنت عبد المطلب، فقال بعضهم لبعض: تصادقوا وليتكتم بعضكم على بعض، قالوا: أجل، فقال قائلهم: تعلمن والله ما قومكم على شيء, لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر

<<  <   >  >>