للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ينفع، يا قوم! التمسوا لأنفسكم، فإنكم والله ما أنتم على شيء، فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم.

فأما عبد الله بن جحش، فأقام على ما هو عليه حتى بعث الرسول, فأسلم وهاجر مع المسلمين إلى الحبشة، ومات فيها بعد أن اعتنق المسيحية وارتد عن الإسلام. وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر, وآمن بالمسيحية، وعاش في القسطنطينية. وأما زيد فأقام على الحنيفية، يعظم شعائرها، ويقول: أعبد رب إبراهيم، وعاب على قومه ما هم عليه، وكان يسند ظهره إلى الكعبة ويرفع صوته: يا معشر قريش، والذي نفس زيد بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري، ثم يقول: والله لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه, ثم يسجد على راحلته، ويستقبل الكعبة داخل المسجد قائلا: لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا، عذت بما عاذ به إبراهيم، ويصيح في الناس: يا معشر قريش، والله ما أعلم على ظهر الأرض أحدا على دين إبراهيم غيري. وكان يعيب على قريش ذبائحها, ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء ماء، وأنبت لها من الأرض نباتا، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟! وآذته قريش فخرج يطلب دين إبراهيم, ويسأل الأحبار في الشام، حتى انتهى إلى راهب من شيوخ الرهبان, فسأله عن الدين، فقال له: إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، فالحق بها؛ فإنه مبعوث الآن, هذا زمانه, فرجع إلى مكة. ولما اشتد إيذاء قريش له, كان يخرج إلى "حراء" يتعبد فيه، ولقيه عامر بن ربيعة في طريقه إلى حراء, فقال له زيد: يا عامر, إني فارقت قومي واتبعت ملة إبراهيم وما كان يعبد إسماعيل بعده، وأنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل، وما أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه ... وقتل زيد قبل البعثة بخمس سنين, وقال الرسول الأكرم: "يأتي زيد يوم القيامة أمة واحدة". ورثاه ورقة بن نوفل بقصيدة منها:

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا

بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا

<<  <   >  >>