وإدراكك الدين الذي قد طلبته ... ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
فأصبحت في دار كريم مقامها ... تعلل فيها بالكرامة لاهيا
تلاقي خليل الله فيها ولم تكن ... من الناس جبارا إلى النار هاويا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض سبعين واديا
أقول إذا ما زرت أرضا مخوفة ... حنانيك لا تظهر على الأعاديا
حنانيك إن الجن كنت رجاءهم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا
أدين لرب يستجيب ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
أقول إذا صليت في كل سبعة ... تباركت قد أكثرت باسمك داعيا
هذا شأن هؤلاء الثلاثة الباحثين عن الحقيقة الكبرى. فأما ورقة فرحل إلى الشام يلتمس الدين الصحيح، ويتحدث إلى الأحبار والرهبان ويسمع منهم، حتى مال قلبه إلى دين المسيح، ورآه إنقاذا له من الحيرة، فاتبعه وعمل به، وقال لزيد: أنا أستمر على نصرانيتي إلى أن يأتي النبي الذي تبشرنا به الأحبار. وأخذ يحفظ من النصرانية ما يحفظ، ويعي من الرهبان ما شاء الله أن يعي، وعاد إلى مكة, فأقام فيها آمنا وادعا، عاكفا على دينه ونفسه، لا يعرض لأحد ولا يحب أن يعرض له أحد. وازداد مكانة في قريش، فكان مستشارها في الأزمات ومرجعها في الخطوب، والحكيم الذي تسترشد برأيه كلما دجت الظلمات ... وقرأ ورقة الكتب السماوية, وكان يعرف العبرية، وينقل من الإنجيل إلى العربية ما شاء، ويأخذ من أهل التوراة والإنجيل ما يأخذ.
٢- فلما شاء الله أن ينقذ الإنسانية, ويهدي البشرية إلى النور والخير والتوحيد، والسلام والأمن والعدل والرحمة، ولد رسول الله محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه- واستبشر بميلاده الكون، وعَمَّ الفرح والبِشْر كل مكان. وشبَّ رسول الله ونما سيدا شريفا, ونبيلا سريا، وفتى زكيا، حتى إذا كان في الثالثة عشرة من عمره، خرج به عمه أبو طالب إلى الشام في تجارة،