وفي بصرى قصبة حوران والبلاد العربية الخاضعة لحكم الروم رآه بحيرى الراهب. فرأى الآية الكبرى، والمعجزات الناطقات، فأخذ يحدث محمدا ويسأله. ثم قال لعمه: اذهب بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فإن له لشأنا. وتحدث من كانوا مع أبي طالب بهذا في مكة، وسمعه ورقة, فآمن بقرب ظهور النبي المرتقب، والرسول الأمي الذي يخرج من بلاد العرب لهداية الدنيا, وإنقاذ العالم من الشرك والضلال.
وخرج محمد بن عبد الله، وقد تخطى العشرين عاما, إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، ابنة عم ورقة، أمينا حفيظا عليها. وكانت خديجة سيدة جليلة ذات يسار وتجارة، وكان مع محمد في رحلته غلامها ميسرة، فذهبا إلى الشام وباعا وابتاعا وربحا ثم عادا إلى مكة، وأخبر "ميسرة" سيدته بما شاهد من مخايل الاصطفاء وإظلال الملائكة والغمام لمحمد، وأحاديث الأحبار عنه، فذهبت خديجة إلى ورقة تذكر ذلك له، فقال: لئن كان هذا حقا يا خديجة, فإن محمدا لنبي هذه الأمة، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه.
وصار ورقة حكيم العرب وشيخها، وعالمها وقطبها، وحبرها الخبير بأحداث الدهر وتجارب الأيام، وازداد مكانة في قومه، وازداد قومه له إجلالا وتقديرا، فكانوا يصدرون عن رأيه، ويستهدون بمشورته، ويتفاءلون بنصائحه وفراسته وصدق إلهامه ... وكان في الخامسة والسبعين من عمره، ومحمد بن عبد الله -صلوات الله عليه- في الخامسة والعشرين.
وكان ورقة يتفاءل بمستقبل حافل عظيم لمحمد، ويتطلع إلى ما سوف تظهره عناية الله على يديه من هدى ونور ورحمة وخير للإنسانية.
واستشارته خديجة بنت خويلد، ابنة عمه، في الزواج بمحمد, فهنّأها من أعماق قلبه بهذا الجد السعيد، والزوج الكريم، محمد بن عبد الله، الأمين المؤتمن، والصادق الصدوق.
وأخذ ورقة يبشر الناس بأن محمدا سيكون نبي العرب، والرسول المرتقب،