للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي يختاره الله من بين الخلق لإبلاغ رسالته إلى الناس كافة، وجعل يتلهف أن يرى أيام بعثته, وأن يظهر نور الله، وينزل ناموسه إلى الأرض، وهو حي؛ ليؤمن به ويصدقه ويؤازره وينصره، وأخذ يستبطئ الأمر، ويقول: حتى أمر الله!!

وكانت خديجة تقص عليه ما تشاهد من كرامات زوجها محمد بن عبد الله، وورقة يزداد إيمانا بأن محمدا هو النبي المدخر لهداية الناس والدنيا، ومن قوله في ذلك:

لججت وكنت في الذكرى لجوجا ... لهم طالما بعث النشيجا١

ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا

فإن محمدا سيسود يوما ... ويخصم من يكون له حجيجا

ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا

وصار ورقة يستزيد ابنة عمه خديجة من أخبار بعلها وفتاها، ويسأل عن محمد ليل نهار، ويعلن في الناس أن محمدا مدخر لأمر عظيم، ويقول:

وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح

فتاك الذي وجهت يا خير حرة ... بغور في التجدين حيث الصحاصح٢

إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت ... وهن مع الأحمال قعص دوالح٣

يخبرنا عن كل حبر بعلمه ... وللحق أبواب لهن مفاتح

بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح

وظني به أن سوف يبعث صادقا ... كما أرسل العبدان: هود وصالح


١ اللجاجة: التمادي في الأمر. النشيج: مثل بكاء الصبي, يردده في صدره.
٢ جمع صحصح: ما استوى من الأرض, وأرض صحاصح: ليس بها شيء ولا شجر ولا قرار للماء.
٣ قعص من قعصه: إذا قتله قتلا سريعا. دوالح من دلح البعير: إذا مر بحمله مثقلا.

<<  <   >  >>