وكان ورقة ينشد الشعر يتشوق فيه إلى إنجاز وعد الله، وكريم رحمته، وعظيم رعايته للحياة والإنسانية, بإرسال رسول من العرب إلى الناس ليهديهم سواء السبيل، وكان يمني نفسه بأن يرى بعثته ليؤمن به ويصدقه وينصره.
وهكذا عاش ورقة كريما مبجلا، وسيدا شريفا سريا, وحكيما متدينا متطلعا إلى التوحيد، إلى أن بعث محمد بن عبد الله.
٣- ولما بعث رسول الله، وشاهد بحراء ما شاهد، ونزل عليه جبريل يبلغه رسالة ربه ... وعاد محمد إلى بيته، قالت له خديجة: يا أبا القاسم، أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة, ورجعوا إليَّ. فحدثها بالذي رأى.
فقالت: أبشر يابن عم واثبت, فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم قامت فجمعت عليها ثيابها وانطلقت إلى ابن عمها ورقة، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله أنه رأى وسمع, فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده إن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول الله, فأخبرته بقول ورقة، فلما قضى رسول الله معتكفا ما قضى وانصرف، صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة وهو يطوف بالكعبة فقال: يابن أخي, أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره رسول الله، فقال ورقة: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه فقبَّل يافوخه، وانصرف رسول الله إلى منزله.
وفي البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رجع من حراء يرجف فؤاده، دخل على خديجة، فقال:"زملوني ... " حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر:"لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله