للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم, وتحمل الكَلّ, وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة ابن عم خديجة، وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني١، فيكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك.

فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيه جذعا٢, ليتني حيا إذا يخرجك قومك، فقال له رسول الله: "أَوَمخرجي هم"؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي, وفتر الوحي.

وهكذا شهد ورقة أن محمدا نبي هذه الأمة ... ومن شعره الذي قاله في ذلك:

وإن يك حقا يا خديجة فاعلمي ... حديثك إياه فأحمد مرسل

وجبريل يأتيه وميكال فاعلمي ... من الله وحي يشرح الصدر منزل

فسبحان من تهوي الرياح بأمره ... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل

ومن عرشه فوق السموات كلها ... وأقضاؤه في خلقه لا تبدل

وله أيضا:

جاءت خديجة تدعوني لأخبرها ... وما لنا بخفي الغيب من خبر

جاءت لتسألني عنه لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس من أخر

فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر والعصر

بأن أحمد يأتيه فيخبره ... جبريل أنك مبعوث إلى البشر

فقلت: على الذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجي الخير وانتظري

وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمره ما يرى في النوم والسهر

فقال حين أتانا منطقا عجبا ... يقف منه أعالي الجلد والشعر


١ أي: يعرف اللغة العبرية, ويكتب بها.
٢ منصوب على تقدير: أكون، ويروى بالضم, والجذع: الشاب الحدث.

<<  <   >  >>